للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكوكب والقمر والشّمس هذا ربّي) فإنه بظاهره ينافي ما قدمناه على إطلاقه وأجمعوا على أنه لم يكن في حال كبره (فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ كَانَ هَذَا فِي سَنِّ الطّفوليّة وابتداء النّظر والاستدلال) أي في قضية الربوبية (وقبل لزوم التّكليف) أي بالأمور الشرعية (وذهب معظم الحذاق) جمع حاذق بالذال المعجمة المهرة المتقنين (من العلماء والمفسّرين إلى أنّه) أي إبراهيم (إنّما قال ذلك) أي هذا ربي (مبكّتا) بتشديد الكاف المكسورة أي حال كونه موبخا (لقومه ومستدلا عليهم) أي ببطلان دينهم وما تخيل إليهم (وقيل) كان الظاهر أن يقال فقيل بفاء التفريع لتبيين وجه التبكيت والتقريع (معناه الاستفهام) أي المقدر في الكلام (الوارد مورد الإنكار) أي لتتميم المرام، (والمراد فهذا ربّي) وفيه أنه يكفي أن يقال هذا رَبِّي (وقال الزَّجَّاجُ قَوْلُهُ هَذَا رَبِّي [الْأَنْعَامِ: ٧٦] أَيْ عَلَى قولكم) يعني في زعمكم (كما قال) أي الله سبحانه وتعالى حكاية عما يقوله يوم القيامة مخاطبا للكفرة (أَيْنَ شُرَكائِيَ [القصص: ٧٤] أي عندكم) وفي رأيكم، (ويدلّ على أنّه) أي إبراهيم (لم يعبد شيئا من ذلك) أي ما ذكر من الكوكب والقمر والشمس (ولا أشرك بالله تعالى قطّ) أي أبدا (طرفة عين) أي غمضة ولمحة (قول الله تعالى عنه) أي حكاية (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ [الشُّعَرَاءِ: ٧٠] ) إنكارا عليهم (ثم قال) أي بعد جوابهم كما قال له تعالى حكاية عنهم قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (أَفَرَأَيْتُمْ أي أخبروني (ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) أي أسلافكم المتقدمون (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي فلا أعبد شيئا منها (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) استثناء منقطع أي لكنه ودود لي فاعبده وحده لأنه موصوف بنعوت الكمال الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (وقال) أي الله تعالى في حقه ويروى وقوله (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصَّافَّاتِ: ٨٤] أَيْ من الشّرك) وسائر العقائد الدنية والأخلاق الردية؛ (وقوله) أي كما حكاه عنه سبحانه (وَاجْنُبْنِي) أي وبعدني (وَبَنِيَّ) أي من صلبي (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إبراهيم: ٣٥] ) وثبتنا على دين الإسلام (فإن قلت فما معنى قوله) أي بعد غيبوبة القمر وأفوله (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [الأنعام: ٧٧] قيل إنّه) أي معناه (إن لم يؤيّدني) أي ربي (بمعونته) أي توفيقه وعصمته (أكن مثلكم في ضلالتكم وعبادتكم) أي لآلهتكم فهو إنما قال ذلك المقال (على معنى الإشفاق والحذر) عن أن يقع في الوبال بحسب المآل (وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصُومٌ فِي الْأَزَلِ مِنَ الضَّلَالِ) والأظهر أنه إظهار تلذذ بتلك الحال وتحدث بنعمة الله الملك المتعال هذا والأزل هو القدم وأصله لم يزل فلما نسب إليه اختصر فقيل يزلي بالياء ثم أزلي بالهمز بدلا منه (فإن قلت فما معنى قوله) أي الله سبحانه وتعالى (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [إبراهيم: ١٣] ) أقسموا ليكونن أحد الأمرين إما اخراجهم من قريتهم أو عودهم في ملتهم ولم يكونوا قط على طريقتهم (ثم قال) أي الله تعالى (بعد) أي بعد ذلك (عن الرّسل) هذه البعدية لأن الآية الآتية إنما هي في

<<  <  ج: ص:  >  >>