النفرة عن الحضرة وأمر بالعرف أي المعروف من الفعل الجميل وهذه الآية أجمع مكارم اخلاق الأنام بشهادة قول جبريل له عليهما السلام وقد سأله عنها فقال لا أدري حتى اسأل ربي ثم رجع فقال يا محمد إن ربك أمرك أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وتعفو عمن ظلمك (ثمّ قال) أي الله سبحانه وتعالى أو بعضهم في تفسير قوله (وإمّا ينزغنّك أي يستخفنّك) يعني يزعجك ويحملك على الخفة ويزيل حملك (غضب يحملك على ترك الإعراض عنهم) أي مثلا (فاستعذ بالله) ولا تطع من سواه (وقيل النّزغ هنا الفساد كما قال) أي الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام لأبيه ومن معه تحدثا بنعمة ربه وجاء بكم من البدو (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف: ١٠٠] وقيل ينزغنّك) أي معناه (يغرينّك) أي من الاغراء بالغين المعجمة والراء وهو الالزام وفي نسخة يغوينك بالواو من الاغواء (ويحرّكنّك) أي بالقيام في طلب ما له من المرام، (والنّزغ أدنى الوسوسة) أي حديث النفس والخطرة التي ليس بها عبرة (فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى تَحَرَّكَ عَلَيْهِ غضب على عدوّه) أي مثلا (أو رام الشّيطان) أي قصد (من إغرائه به) أي تسليطه وفي نسخة من اغوائه أي من اضلاله (وخواطر أدنى وساوسه) أي مقدمات هواجسه (ما لم يجعل) بصيغة المجهول أي لم يقدر الله تعالى (له سبيل إليه) أي بحيث يتسلط عليه (أن يستعيذ منه فيكفى أمره) بصيغة المفعول ونصب أمره ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أي فيكفي الله أمره ويدفع شره وضره (ويكون) أي استعاذته من وسوسته (سبب تمّام عصمته) وظهور حالته عند أمته مع إفادة تعليمه لأهل ملته (إِذْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنَ التَّعَرُّضِ له) أي بمجرد وسوسته (ولم يجعل له قدرة عليه) أي لعصمته (وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا) أي من الأقاويل في باب التأويل (وكذلك) أي وكعصمته عليه الصلاة والسلام من إبليس ووسوسته (لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ الشَّيْطَانُ فِي صورة الملك ويلبّس) بفتح الياء وكسر الباء أو بضم أوله وتشديد الموحدة أي يخلط (عليه) ويشكك في أمره إليه (لا في أوّل الرّسالة ولا بعدها) أي بالأولى (والاعتماد في ذلك) أي في عدم صحة تصور الشيطان له في صورة الملك (دليل المعجزة) فإنما هي للتثبيت له بالعصمة والتأييد له بالحكمة وتوضيحه أنه لما كانت المعجزة قائمة مقام قول الله تعالى صدق عبدي لمدعي النبوة فمحال أن يجد الشيطان إليه سبيلا بالغلبة (بل لا يشكّ النّبيّ) أي في الأنبياء (أَنَّ مَا يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ الْمَلَكُ وَرَسُولُهُ) أي أنه هو المرسل إليه بوحيه لديه وفي نسخة على يديه (حقيقة) أي من غير تردد فيه (إمّا بعلم ضروريّ يخلقه الله تعالى له) أي فيعتمد عليه (أو ببرهان يظهره لديه) وفي نسخة على يديه (لتتمّ كلمة ربّك) أي أيها المخاطب بالخطاب العام وفيه إيماء إلى ما في التنزيل من قوله وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ (صِدْقاً) في الاخبار والاعلام (وَعَدْلًا) في الأحكام نصبهما على التمييز أو الحالية لا كما قال الدلجي على المفعولية (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) ولا محول لإرادته. (فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ) هذا صريح في الفرق بينهما