للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن الجهم البرمكي: رأيت أبا حفص الشطرنجي فرأيت إنساناً يلهيك حضوره عن كل غائب، وتسليك مجالسته عن كل الهموم والمصائب، قربه عرس، وحديثه أنس، وجده لعب، ولعبه جد، دين ماجن، إن لبسته على ظاهره لبست موموقاً لا تمله، وإن تتبعه لتنظر خبرته وقفت على مروءة لا تطور (١) الفواحش بجنباتها، وكان من علمته أقل ما فيه الشعر، وهو القائل (٢) :

تحبب فإن الحب داعية الحب ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب

إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب

ففكر فإن حدثت أن أخا الهوى ... نجا سالماً فراج النجاة من الحب

وأطيب أيام الهوى يومك الذي ... تروع بالهجران (٣) فيه وبالعتب ومن شعره:

وقد حسدوني قرب داري منكم ... وكم من قريب الدار وهو بعيد

دخولك من باب الهوى إن أردته ... يسير ولكن الخروج شديد وقال له الرشيد: يا حبيبي، لقد أحسنت ما شئت في بيتين قلتهما، فقال: ما هما يا سيدي؟ فمن شرفهما استحسانك، فقال: قولك:

لم ألق ذا شجن يبوح بحبه ... إلا حسبتك ذلك المحبوبا

حذراً عليك وإنني بك واثق ... أن لا ينال سواي منك نصيبا فقال: يا أمير المؤمنين ليسا لي، هما للعباس بن الأحنف، فقال: صدقك والله أعجب لي، ولك والله أحسن منهما حيث تقول:


(١) ر: تتطور؛ والتصويب عن الأغاني. تطور: تقرب.
(٢) وردت هذه الأبيات في ترجمة علية.
(٣) الأغاني: بالتحريش.

<<  <  ج: ص:  >  >>