ربما قال له في بعض الرقاع: كم قرروا لك على هذه؟ فيقول: كذا، فيقول الوزير: هذه تسوى أكثر من ذلك، ارجع إليهم ولا تفارقهم إلا بكذا.
وكان ممن خدمه في أيام نكبته رجل يعرف بيعقوب الصايغ، وكان عامياً ساقطاً، فقلده لما ولي الوزارة حسبة الحضرة، فعزم الوزير في بعض الأوقات على السفر، فجلس للنظر فيما يحمل معه من خزانته ومن يسافر معه من أصحابه وخدمه، ويعقوب حاضر، فأمر الوزير بما يحمل معه، فلما انتهى إلى فصل قال يعقوب بغباوته وعاميته: ويحمل أيضاً معه كفن وحنوط، فتطير الوزير من ذلك وأعرض عنه، وأخذ يأمر وينهى، ولما انتهى إلى فصل من كلامه كرر يعقوب ذلك القول، فأعرض عنه ضجراً، وفعل ذلك ثالثاً، فقال الوزير: يا هذا أتخاف علي إن أنا مت أن أصلب أو أطرح على قارعة الطريق بغير كفن؟ إن تعذر الكفن لفوني في ثيابي، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
٣١٩ - (١)
[الوراق التميمي]
عتيق بن محمد، أبو بكر الوراق التميمي؛ قال ابن رشيق: دخلت الجامع فوجدته في حلقة يقرأ الرقائق والمواعظ، ويذكر أخبار السلف الصالحين وممن بعدهم من التابعين، وقد بدا خشوعه وترققت دموعه، فما كان إلا أن جئته عشية ذلك اليوم إلى بيته فوجدته وفي يده طنبور وعن يمينه غلام مليح، فقلت له: ما أبعد ما بين حاليك في مجلسيك! فقال: ذلك بيت الله، وهذا بيتي، أصنع في كل واحد منهما ما يليق به وبصاحبه، فأمسكت عنه.