أبى الدمع إلا أن يفيض وأن يجري ... على ما مضى من مدة النأي من عمري
وما لي إن كفكفت ماء محاجري ... وقد بعدت دار الأحبة من عذر
أما إنه لولا اشتياقي لذكراهم ... ولا شوق إلا ما يهيج بالذكر
لما شاقني نظم القريض ولا صبا ... فؤادي على البلوى إلى عمل الشعر
وكان لمثلي عن أفانين منطقي ... هنالك ما يلهي عن النظم والنثر وأنشدني أيضاً:
جفن قريح بالبكاء موكل ... فعلت به العبرات ما لا يفعل
وجوانح مني على شحط النوى ... أضحت تمزق في الهوى وتوصل
عجباً لحكم الحب في، فليته ... يوماً يجور به ويوماً يعدل
إني وإن أمسى يحملني الهوى ... من ثقله في الحب ما لا يحمل
فلقد حلت منه مرارات الجوى ... عندي وخف لدي ما يستثقل
لا يطمع اللوام في ترك الهوى ... إن كثروا من لومهم أو قللوا
لهفي على زمني بمنعرج اللوى ... والشمل مجتمع وجدي مقبل
ما كان أهنا العيش فيه فليته ... لو دام منه ريثما أتأمل وقال:
وزهدني في الخل أن وداده ... لرهبة جاه أو لرغبة مال
فأصبحت لا أرتاح منه لرؤية ... ولا أرتجي نفعاً لديه بحال ولما توفي قاضي القضاة ابن دقيق العيد ترك ما ولاه من نظر رباع الأيتام وتوجه إلى قوص، وأقام بها إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وله من العمر ثلاث وثمانون سنة.
وله شعر جيد، وكان صحيح الود حافظ العهد حسن الصحبة، رحمه الله.