للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللشيوخ شيئا ًكثيراً، وجلس في شبيبته مدة مع أعيان الشهود، وتقدم في معرفة الشروط، ثم اقتصر على جهات تقوم به، وورث من أبيه جملة، وحصل كتباً جيدة وأجزاء في أربع خزائن، وبلغ ثبته أربعاً وعشرين مجلداً، وأثبت فيه من كان يسمع معه، وله تاريخ بدأ فيه من عام مولده الذي توفي فيه الإمام أبو شامة فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في خمس مجلدات، وله مجاميع وتعاليق كثيرة، وعمل في فن الرواية عملاً قل من يبلغ إليه، وبلغ عدد مشايخه بالسماع أثر من ألفين، وبالإجازة أكثر من ألف، رتب كل ذلك وترجمهم في مسودات متقنة، وكان رأساً في صدق اللهجة والأمانة، صاحب سنة واتباع ولزم الفرائض، خيراً متواضعاً حسن البشر عديم الشر، فصيح القراءة مع عدم اللحن، قرأ ما لا يوصف كثرة وروى، وكان عالماً بالأسماء والألفاظ، وكان فيه حلم وصبر وتودد ولا يتكثر بفضائله ولا يتنقص بفاضل بل يوفيه فوق حقه، يلاطف الناس وله ود في القلوب وحب في الصدور. احتسب عدة أولاد: منهم محمد، تلا بالسبع وحفظ كتباً، وعاش ثمان عشرة (١) سنة، ومنهم فاطمة، عاشت نيفاً وعشرين سنة، وكتبت صحيح البخاري وأحكام مجد الدين وأشياء.

وللشيخ علم الدين إجازات عالية عام مولده من ابن عبد الدايم وإسماعيل ابن عزون والنجيب، وحدث في أيام شيخه ابن البخاري، وكان حلو المحاضرة قوي المذاكرة عارفاً بالرجال، لا سيما أهل زمانه وشيوخهم، لم يخلف بعده مثله.

حج سنة ثمان وثمانين وأخذ عن مشيخة الحرمين، ثم حج أربعاً بعد ذلك، وكان باذلاً لكتبه وأجزائه سمحاً في كل أموره، مؤثراً متصدقاً.

قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وهو الذي حبب إلي طلب الحديث،


(١) ر: ثمانية عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>