للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الرؤساء وأرباب الدولة، فقبل الأرض ولم ينطلق، فعجب الرشيد من صمته وغاظه ذلك وأمر بضرب عنقه، وبسط النطع وجرد السيف وقدم مالك، فقال الوزير: يا مالك تكلم فإن أمير المؤمنين يسمع كلامك، فرفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين أخرست عن الكلام دهشة، وقد أدهشت عن السلام والتحية، فأما إذ إذن أمير المؤمنين فإني أقول: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين، ولم بك شعث الأمة، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح بك سبيل الحق، إن الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة وتصدع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريمة وانقطعت الحجة، ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك، ثم أنشأ يقول بعد ما التفت يميناً وشمالاً:

أرى الموت بين النطع والسيف كامناً ... يلاحظني من حيث ما أتلفت

وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى الله يفلت؟

يعز على الأوس بن تغلب وقفة ... يهز علي السيف فيها وأسكت

وأي امرئ يد لي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت

وما بي من خوف أموت وإنني ... لأعلم أن الموت شيء مؤقت

ولكن خوفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت

كأني أراهم حين أنعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا

فإن عشت عاشوا آمنين بغبطة ... أذود الردى عنهم، وإن مت موتوا

فكم قائل لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسر ويشمت قال: فبكى هارون الرشيد وقال: لقد سكت على همة، وتكلمت على حلم وحكمة، وقد عفوت لك عن الصبوة ووهبتك للصبية؛ فارجع إلى ولدك ولا تعاود، فقال: سمعاً وطاعة، وانصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>