للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو، وكان يطيعه فيما يشير به عليه، والأموال في تصريفه، وابتنى بمراغة قبة ورصداً عظيماً، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد، وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة، وجعل له الأوقاف (١) ، وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل.

حكي أنه لما أراد العمل للرصد رأى هولاكو ما يغرم عليه، فقال له: هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فايدته؟ أيدفع ما قدر أن يكون؟ فقال: أنا أضرب لك مثلاً: يأمر القان من يطلع إلى هذا المكان، ويرمي من أعلاه طشت نحاس كبير من غير أن يعلم به أحد، ففعل ذلك، فلما وقع كانت له وقعة عظيمة هائلة روعت كل من هناك، وكاد بعضهم يصعق، وأما هو وهولاكو فإنهما ما حصل لهما شيء لعلمهما بأن ذلك يقع، فقال له: هذا العلم النجومي له هذه الفائدة، يعلم المتحدث فيه ما يحدث فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه، فقال له: لا بأس بهذا، وأمره بالشروع فيه، أو كما قيل.

ومن دهائه ما حكي أنه حصل لهولاكو غضب من علاء الدين الجويني (٢) - صاحب الديوان - فأمر بقتله، فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ذلك، فقال النصير: هذا القان إن أمر بأمر لا يمكن رده، خصوصاً إذا برز إلى الخارج، فقال له: لا بد من الحيلة في ذلك، فتوجه إلى هولاكو وبيده عكاز وسبحة ثم اصطرلاب، وخلفه من يحمل مبخرة وبخوراً وناراً، فرآه خاصة هولاكو الذين على باب المخيم، فلما وصل أخذ يزيد في البخور ويرفع الاصطرلاب ناظراً فيه ويضعه، فلما رأوه يفعل ذلك دخلوا على


(١) الوافي: وجعل لهم الجامكية.
(٢) مرت ترجمته رقم: ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>