للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم ودرس وأفتى ورحل في طلب الحديث؛ وسمع ببغداد ومصر والشام والموصل، وكان شيخاً عالماً زاهداً عابداً كريم النفس كثير الإيثار حسن الأخلاق قليل المثال؛ طلب من مكة إلى القاهرة وولي مشيخة دار الحديث بالدار الكاملية إلى أن مات، وله شعر مليح. وروى عنه الدمياطي والمزي والبرزالي وخلق كثير.

وكان يتوجه إلى أبي الهول الذي عند أهرام مصر، وهو رأس الصنم الذي هناك، ويعلو رأسه ويضربه باللالكة، ويقول: يا أبا الهول، افعل كذا، افعل كذا، لأن جماعة من أهل مصر يزعمون أن الشمس إذا كانت في الحمل وتوجه أحدهم إلى أبي الهول، وبخر بشكاعى وباذاورد، ووقف عليه وقال ثلاثاً وثلاثين (١) مرة كلمات يحفظونها، وقال معها: يا أبا الهول افعل كذا، فزعموا أن ذلك يتفق وقوعه، وكان الشيخ قطب الدين يفعل ذلك إهانة لأبي الهول وعكساً لذلك المقصد الفاسد؛ لأن تلك الكلمات ربما تكون تعظيماً له ضرورة.

وتوفي الشيخ قطب الدين سنة ستمائة وست وثمانين؛ ومن شعره:

إذا كان أنسي في التزامي لخلوتي ... وقلبي عن كل البرية خالي

فما ضرني من كان في الدهر قالياً (٢) ... وما سرني من كان في موالي وقال أيضاً:

ألا هل لهجر العامرية إقصار ... فتقضى من الوجد المبرح أوطار

عسى ما مضى من خفض (٣) عيشي في الحمى ... يعود ولي فيه نجوم وأقمار

عدمت فؤادي إن تعلقت غيرها ... وإن زين السلوان لي فهو غدار


(١) الوافي: ثلاثاً وستين.
(٢) البدر السافر: من كان لي الدهر جافياً.
(٣) المطبوعة: طيب؛ وأثبت ما في الزركشي والوافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>