للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان فصيح العبارة، قادراً (١) على الحفظ، طويل الروح مسالماً محسناً إلى من أساء إليه. بلغه أن الشيخ صدر الدين نظم فيه بليقة (٢) ، فتحيل إلى أن وقعت بخطه في يده وسير خلف الشيخ صدر الدين، ووضع الورقة مفتوحة على مصلاه، فلما دخل الشيخ صدر الدين رأى الورقة وعرفها، وقاضي القضاة مشتغل عنه، فلما تحقق أن صدر الدين قد رأى الورقة وعرفها قال للطوشي: أحضر للشيخ ما عندك، فأحضر له بقجة قماش وصرة فيها ستمائة درهم، وقال: هذه جائزة تلك البليقة.

وكان يوماً قد توجه إلى صلاة الصبح بالجامع، فلما كان ببعض الطريق ضربه إنسان بمطرق رماه إلى الأرض، وظن أنه قد مات، فلما أفاق حضر إلى بيته وكان يقول: أعرفه وما أذكره لأحد.

وكان ينطوي على دين وتعبد، وله أموال وخدم، وهو من بيت حشمة.

وقيل إنه قال يوماً للشيخ صدر الدين: فرق ما بيننا أنني أشتغل على الشمع الكافوري، وأنتم على قناديل المدارس.

ودرس بالعادلية الصغرى والأمينية ثم بالغزالية، مع قضاء العسكر ومشيخة الشيوخ، ثم ولي قضاء القضاة سنة اثنتين وسبعمائة إلى أن مات رحمه الله. وأذن لجماعة في الفتوى، وقيل إنه لم يقدر أحد يدلس عليه قضية ولا يشهد زور (٣) ، وكان متحرياً في أحكامه بصيراً بقضاياها، وما سمع عنه أنه ارتشى (٤) في حكومة.

وتوفي بعد تعلل أصابه فجأة ببستانه في نصف شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وكان موته مفتاحاً لموت رؤساء دمشق وعلمائها.

ورثاه شعراء عصره، ورثاه المرحوم شهاب الدين محمود، ولشعراء زمانه فيه مدائح كثيرة.


(١) ص: قادر.
(٢) نوع من الشعر العامي، انتشر بمصر، وكثيراً ما يعتمد على الإفحاش في القول.
(٣) كذا في ص.
(٤) ص: ارتشى.

<<  <  ج: ص:  >  >>