ولما أنكر البكري استعارة البسط والقناديل من الجامع العمري بمصر لبعض كنائس القبط في بعض مهماتهم، ونسب هذه الفعلة إلى كريم الدين، فطلع البكري إلى حضرة السلطان وكلمه في ذلك وأغلظ له في القول، وكاد يجوز ذلك على السلطان لو لم يحل بعض القضاة الحاضرين على البكري، وقال: ما قصر الشيخ، كالمستهزيء به، فحينئذ أغلظ السلطان له وأمر بقطع لسانه، فأتى الخبر إلى الشيخ صدر الدين وهو في زاوية السعودي، فطلع إلى القلع على حمار فاره اكتراه للسرعة، فرأى البكري وقد أخذ ليمضي فيه ما أمر، فلم يملك دموعه أن تساقطت على خده، واستمهل الشرطة، ثم صعد الأيوان والسلطان جالس به، وتقدم إلى السلطان من غير استئذان وهو باك، فقال له السلطان: خير يا صدر الدين فزاد بكاؤه ونحيبه ولم يقدر على مجاوبة السلطان، فلم يزل السلطان يرفق به ويقول له: خير، ما بك؟ إلى أن قدر على الكلام، فقال له: هذا البكري من العلماء الصلحاء، وما أنكر إلا في موضع الإنكار، ولكنه لم يحسن التلطف، فقال له السلطان: إي والله أنا أعرف أنه حطبة، وانفتح الكلام، ولم يزل الشيخ صدر الدين يرفق بالسلطان ويلاطفه حتى قال: خذه وروح وانصرف، هذا كله جرى والقضاة حضور وأمراء الدولة ملء الإيوان، وما فيهم من أعانه.
وكان إذا فرغ مما هو فيه مع أصحابه وعشراه قام وتوضأ وصلى ومرغ وجهه على التراب وبكى حتى يبل ذقنه بالدموع، ويستغفر الله تعالى ويسأله التوبة، رحمه الله تعالى.