الصبوح، وعنده الحسن بن محمد بن طالوت، فقال له محمد: نحتاج أن يكون معنا من نأنس به ونلتذ بمنادمته، فمن ترى أن يكون؟ فقال له ابن طالوت: قد خطر ببالي من ليس علينا بمنادمته ثقل، قد خلا من إبرام المجالسين، وبريء من ثقل المؤانسين، خفيف الوطأة إذا أدنتيه، سريع الوثبة إذا أمرته، قال: من هو؟ قال: ماني الموسوس، فتقدم إلى صاحب الشرطة بطلبه وإحضاره، فلم يكن بأسرع من أن قبض عليه ووافى به باب محمد، فلا مثل بين يديه وسلم رد عليه السلام وقال له: ما آن لك أن تزورنا مع شوقنا إليك؟ فقال له ماني: أز الله الأمير، الشوق شديد، والود عتيد، والحجاب صعب، ولو سهل لي الأذن لسهلت علي الزيارة، فقال له محمد: لقد لطفت في الاستئذان، وأمره بالجلوس فجلس، وكان قد أطعم قبل أن يدخل، وأدخل الحمام وأخذ من شعره وألبس ثيباً نظافاً وأتى محمد بن عبد الله بن طاهر بجارية كان يحب السماع منها، فكان أول ما غنته:
ولست بناس إذ غدوا وتحملوا ... دموعي على الخدين من شدة الوجد
وقولي وقد زالت بعيني حمولهم ... بواكر تحدى: لا يكن آخر العهد فقال ماني إيذن لي أيها الأمير، قال: في ماذا؟ قال: في استحسان ما اسمع، قال: نعم، قال: أحسنت فإن رأيت أن تزيدي في هذا الشعر هذين البيتين:
وقفت أناجي الربع والدمع حائر ... بمثلة موقوف عليه السلام الضر والجهد
ولم يعدني هذا الأمير بعدله ... على ظالم قد لج في الهجر والصد فقل له محمد: ومن أي شيء استعديت ياماني؟ قال: لا من ظلم أيها الأمير، ولكن تحرك شوق وكان ساكناً. ثم غنت:
حجبوها عن الرياح لأني ... قلت للريح بلغيها السلاما