الولاية عن أخلاقه، وأقام على القضاء مدة أيام الظاهر، وتولّى المستنصر بالله فأقره على ذلك أربعة أشهر وأياماً وعزله.
وكان له رسم في رجب من الصدقة الناصرية يأخذه من البدرية، فاتفق تفرقته في بعض السنين في يوم الأربعاء، وكان قد توجه لزيارة قبر أحمد بن حنبل، فلما عاد من الزيارة وجد الناس قد قبضوا رسومهم وانفصلوا، وقيل له: إن رسمك قد رفع إلى الحكيم ابن توما النصراني فامض إليه، فقال: والله لا أمضي إليه ولا أطلب رزقي من كافر، وعاد إلى منزله متوكلاً على الله تعالى وقال:
نفس ما عن ديننا من بدل ... فدعي الدنيا وخلي جدلي
ما تساوي أننا نمضي إلى ... مشرك إذ ذاك عين الزلل
إن يكن دين علينا فلنا ... خالق يقضيه، هذا أملي ولم يزل ذلك الذهب عند الحكيم النصراني إلى أن مات وأخذ من تركته وحمل إلى القاضي.
ومولده في شهور سنة أربع وستين وخمسمائة، ووفاته سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكانت جنازته عظيمة، ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد بن حنبل، وقيل بل دفن معه، تولى ذلكالرعاع والعوام، وقبض على من فعل ذلك وعوقب وحبس، ونبش بعد ثلاثة أيام ونقل وعفي قبره ولم يعلم أين دفن. ورثاه الشيخ يحيى الصرصري رحمه الله تعالى بقوله:
أبا صالح ما العيش بعدك صالح ... نزحت ففيك الحزن للدمع نازح
وما مقل ضنت عليك بمائها ... غداة النوى إلا عيون شحائح
نأيت وصعب الدمع بعدك بالأسى ... ذلول ومطواع التصبر جامع
على مثلك اليوم البكاء لذي الحجى ... مباح وفيك القلب بالحزن نائح
وما عذر عين لا تفيض دموعها ... عليك وآماق المعالي سوافح