للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمات بعدها بيسير أسفا عليها ولما ماتت تركها أياما لم يدفنها، وعوتب في ذلك فدفنها، وقيل إنه دفنها ثم نبشها بعد الدفن؛ وكان يسمى يزيد الماجن.

ولما تولى الخلافة أقبل على الشرب والانهماك، وكان يضع حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره ثم يشرب إلى أن يسكر وتغنيانه فيطرب ويشق ما عليه ويقول: أطير، أطير؟! فيقولان: إلى من تترك الخلافة؟ فيقول: إليكما.

ولما ولي الخلافة قالت له زوجته: هل بقي لك أمل بعد الخلافة؟ قال: نعم، أن تحصل في ملكي حبابة، وفيها يقول:

أبلغ حبابة سقى ربعها المطر ... ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر

إن سار صحبي لم أملك تذكركم ... أو عرسوا بي فأنت الهم والفكر فسكتت عنه، وأنفذت تاجراً اشتراها بمال عظيم وأحضرتها له خلف ستارة وأمرتها بالغناء، فلما سمعها اهتز وطرب وقال: هذا غناء أجد له في قلبي وقعاً فما الخبر؟ فكشفت الستر وقالت: هذه حبابة وهذا غناؤها فدونك وإياها، فغلبت على قلبه من ذلك، ولم ينتفع به في الخلافة.

وقال في بعض أيام خلواته: الناس يقولون إنه (١) لم يصف لأحد يوم كامل، وأنا أريد أن أكذبهم في ذلك، ثم أقبل على لذاته وأمر أن يحجب عن سمعه وبصره كل ما يكره، فبينما هو في صفو عيشه إذ تناولت حبابة حبة رمانة فشرقت بها فماتت، فاختل عقله، وتركها ثلاثة أيام لم يدفنها ثم دفنها ثم نبشها من قبرها، وتحدث الناس في خلعه من الخلافة، ولم يعش بعدها إلا خمسة عشر يوما. وفيها يقول رحمهما الله تعالى وعفا عنهما:

فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد (٢)


(١) ص: إن.
(٢) البيت لكثير عزة، ديوانه: ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>