إليه في ذلك المهم من التشاريف والإنعامات على وجوه الدولة وغيره، ولقبوه الملك الصالح، ثم بعد قليل لقبه الملك المؤيد.
وكان كل سنة يتوجه إلى مصر بأنواع من الخيل والرقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة، هذا إلى ما هو مستمر طول السنة مما يهديه من التحف والطرف، وتقدم السلطان الملك الناصر إلى نوابه بأن يكتبوا إليه يقبل الأرض وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى يكتب إليه يقبل الأرض بالمقام العالي الشريف المولوي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي وفي العنوان صاحب حماة ويكتب إليه السلطان أخوه محمد بن قلاوون أعز الله أنصار المقام الشريف العالي السلطان الملكي المؤيدي العمادي بلا مولوي.
وكان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك، وأجود ما كان يعرفه علم الهيئة لأن أتقنه، وإن كان قد شراك في سائر العلوم مشاركة جيدة. وكان محباً لأهل العلم مقرباً لهم، أوى إليه أمين الدين الأبهري وأقام عنده، ورتب له ما يكفيه، وكان قد رتب لجمال الدين محمد بن نباتة كل سنة ستمائة درهم، وهو مقيم بدمشق، غير ما يتحفه به.
ونظم الحاوي في الفقه، ولو لم يعرفه معرفة جيدة ما نظمه، وله تاريخ مليح، وكتاب الكناش مجلدات كثيرة، وكتاب تقويم البلدان هذبه وجدوله وأجاد فيه ما شاء، وله كتاب الموازين جوده وهو صغير.
ومات وهو في الستين، رحمه الله تعالى؛ وله شعر، ومحاسنه كثيرة.
ولما مات رثاه الشيخ جمال الدين بن نباتة بقصيدة أولها:
ما للنّدى لا يلبي صوت داعيه ... أظنّ أنّ ابن شادي قام ناعيه
ما للرجاء قد اشتدّت مذاهبه ... ما للزمان قد اسودّت نواحيه
نعى المؤيد ناعيه فيما أسفا ... للغيث كيف غدت عنّا غواديه منها: