فأعلم الغساني بعض الحاضرين بذلك، فجهز الغساني غلاماً له جلداً إلى ابن أسد يدخل عليه ويعرفه العذر، فوصل الغلام إلى ابن أسد قبل وصول قاصد ابن مروان، فلما علم ذلك كتب الجواب إلى ابن مروان أنه لم يقف على هذه القصيدة أبداً، ولم يرها إلا في كتابه، فلما وقف ابن مروان على الجواب أساء إلى الساعي وسبه وقال: إنما تريد إساءتي بين الملوك، ثم أحسن إلى الغساني وأكرمه غاية الإكرام، وعاد إلى بلاده؛ فلم يمض على ذلك مدة حتى اجتمع أهل ميافارقين ودعوا ابن أسد على أن يؤمروه عليهم، وإقامة الخطبة للسلطان ملك شاه وإسقاط اسم ابن مروان، فأجابهم إلى ذلك، وحشد ابن مروان، ونزل على ميافارقين فأعجزه أمرها، فسير إلى نظام الملك والسلطان يستمدهما، فأنفذا (١) إليه جيشاً ومدداً مع الغساني الشاعر، وكان قد تقدم عند السلطان، فصدقوا الحملة على ميافارقين، فملكوها عنوة وقبض على ابن أسد، وجيء به إلى ابن مروان فأمر بقتله، فقام الغساني وجرد العناية في الشفاعة حتى خلصه وكفله بعد عناء شديد، ثم اجتمع به وقال: أتعرفني؟ قال: لا والله، ولكن أعرف أنك ملك من السماء من الله علي بك لبقاء مهجتي، فقال: أنا الذي ادعيت قصيدتك وسترت علي، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، فقال ابن أسد: ما سمعت بقصيدة جحدت فنفعت صاحبها إلا هذه، فجزاك الله خيراً؛ وانصرف الغساني من حيث جاء، وأقام ابن أسد مدة، وتغيرت حالة وجفاه إخوانه وعاداه أعوانه، ولم يقدر أحد على مرافدته، حتى أضر به العيش، فنظم قصيدة مدح بها ابن مروان، فلما وقف عيها غضب وقال: ما يكفيه أن يخلص منا رأساً برأس حتى يريد منا الرفد؟ لقد أذكرني بنفسه، اصلبوه، فصلب سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
ومن شعره:
أريقاً من رضابك أم رحيقا ... رشفت فلست من سكري مفيقا