للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل اليمن وقدم الشام. وكان ذا هيبة ووقار وشيبة (١) وسكون وفنون، وتلامذة وزبون، وكان على راسه قبع كشف (٢) ، وعلى جسده دلق (٣) ؛ كان غارقاً في الفكرة عديم اللذة متواصل الأحزان، فيه انقباض عن الناس، وحمل مرة إلى والي البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود، فأحسن الوالي به الظن وأطلقه وقال: سقاه اليهود خبثاً منهم ليغضوا عنه (٤) بذلك، وكان قد نالهم منه أذى، وأسلم على يده جماعة: منهم سعيد وبركات. وكان يحب الكوارع المغمومة (٥) ، فدعوه إلى بيت واحد منهم وقدموا له ذلك، فأكل ثم غاب ذهولاً على عادته، فأحضروا الخمر فلم ينكر حضورها، فأداروها ثم ناولوه منها قدحاً، فاستعمله تشبيهاً بهم، فلما سكر أخرجوه على تلك الحال، وبلغ الخبر الوالي فركب وحضر إليه وأردفه خلفه، وبقي الناس خلفه يتعجبون من أمره، وهو يقول لهم بعد كل فترة أي وايش قد جرى؟! ابن هود يشرب العقار؟ يعقد القاف كافاً في كلامه. وكان يشتغل اليهود عليه في كتاب الدلالة وهو مصنف في أصول دينهم للريس موسى (٦) .

قال الشيخ شمس الدين: قال شيخنا عماد الدين الواسطي: أتيت إليه وقلت له: أريد أن تسلكني، فقال: من أي الطرق؟ من الموسوية أو العيسوية أو المحمدية؟

وكان إذ طلعت الشمس يستقبلها ويصلب على وجهه.

وصحبه العفيف عمران الطبيب والشيخ سعيد المغربي وغيرهما، ولا صلى


(١) ص: وشبه.
(٢) القبع: غطاء الرأس (ملحق دوزي) ، ولم يتضح لي معنى قوله ((كشف)) وفي الشذرات: قبع لباد.
(٣) الدلق: فروة أو ثوب يتميز بلبسه المتصوفة.
(٤) كذا في ص، والصواب ((منه)) .
(٥) في محيط المحيط أن ((الغمة)) هي الرأس، وهي لفظة ما تزال تستعمل في لبنان للدلالة على أكلة الموارع والرأس وما يلحق بها.
(٦) يعني موسى بن ميمون وكتابه هو ((دلالة الحائرين)) ؛ وسيترجم الكتبي له.

<<  <  ج: ص:  >  >>