تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا قال لك؛ فعندها تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية، ونحن نسمع ونفهم كلامه، فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلما بلغنا بعض أودية مكة، وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل، فرأيت غلاماً أسمر اللون حسن الكون رائع الجمال وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله، وهو يخشى من خوض السيل لقوته، فعلمت حاله فأتيت إليه وحملته وخضت به السيل إلى عند إبله، فلما وضعته عند إبله نظر إلي وقال لي بالعربية: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فتركته ومضيت إلى سبيلي، إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر التجارة وعدنا إلى الوطن، فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه، وكانت ليلة البدر، فنظرنا إليه وقد انشق نصفين، فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب، ساعة زمانية، وأظلم الليل، ثم طلع النصف من المشرق والنصف الآخر من المغرب، وسارا إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة، فعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سبباً، وسألنا الركبان عن خبر ذلك، فأخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة، وادعى أنه رسول الله تعالى إلى كافة الخلق، وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في الغرب ونصفه في الشرق ثم يعود إلى ما كان عليه، ففعل ذلك بقدرة الله تعالى، فلما سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أراه، فتجهزت في تجارة وسافرت إلى أن دخلت مكة، وسألت عن الرجل الموصوف فدلوني عليه، فأتيت إلى منزله واستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت عليه، فوجدته جالساً في صدر المنزل، والأنوار تتلألأ في وجهه، وقد استنارت محاسنه وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه، فلما سلمت عليه رد علي السلام وتبسم في وجهي وقال: ادن مني، وكان بين يديه طبق فيه رطب، وحوله جماعة من أصحابه