للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودفن بدار الخلافة، وصلى عليه ولده القائم بأمر الله. عاش سبعاً وثمانين سنة، ثم نقل تابوته إلى الرصافة، ولم يبلغ أحد من الخلفاء قبله هذا العمر، ولا أقام في الخلافة هذه المدة. ومن شعره:

ما الزهد أن تمنع الدنيا فترفضها ... ولا تزال أخا صومٍ حليف دعا

وإنما الزهد أن تحوي البلاد وأر ... قاب العباد فتلفى عادلاً ورعا وبينما القادر يمشي ذات ليلة في أسواق بغداد إذ سمع شخصاً يقول لآخر: قد طالت دولة هذا المشوم، وليس لأحد عنده نصيب، فأمر خادماً كان معه بالتوكل عليه، وأن يحضره بين يديه، فما شك أنه يبطش به، فسأله عن صنعته فقال: إني كنت من السعاة الذين يستعين بهم أرباب هذا الأمر على معرفة أحوال الناس، فمذ ولي أمير المؤمنين أقصانا، وأظهر الاستغناء عنا، فتعطلت معيشتنا وانكسر جاهنا، فقال له: أتعرف من في بغداد من السعاة مثلك؟ قال: نعم، فأحضر كاتباً، وكتب أسماءهم، وأمر بإحضارهم، ثم أجرى لكل واحد منهم معلوماً، ونفاهم إلى الثغور القاصية، ورتبهم هناك عيوناً على أعداء الدين، ثم التفت إلى من حوله وقال: اعلموا أن هؤلاء ركب الله فيهم شراً وملأ صدورهم حقداً على العالم، ولا بد لهم من إفراغ ذلك الشر، فالأولى أن يكون ذلك في أعداء الدين، ولا ننغص بهم المسلمين. رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>