للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ينام عن عدوه ولا يقبل له معذرة، ويجعل الرؤساء كلهم أعداءه، ولا يرضى لعدوه بدون الهلاك، لا تأخذه في نقماته رحمة، استولى على العادل ظاهراً وباطناً، ولم يمكن أحداً من الوصول إليه حتى الطبيب والفراش والحاجب عليهم عيون فلا يتكلم أحد (١) منهم كلمة، ولا يأكل من الدولة فلساً، فإذا لاح له مال عظيم احتجنه، وعملت (٢) له قبسة العجلان فأمر كاتبه أن يكتبها ويردها، وقال: لا نستحل أن نأخذ منك ورقاً، وكان له في كل بلد من بلاد السلطان ضيعة أو أكثر في مصر والشام إلى خلاط، وبلغ مجموع مغله مائة ألف وعشرين ألف دينار، وكان يكثر الإدلال على العادل ويسخط أولاده وخواصه، وكان العادل يترضاه بما أمكنه، وتكرر ذلك منه، إلى أن غضب منه على حران، فأقره العادل على الغضب وأعرض عنه، وظهر له منه فساد (٣) ، فنفاه عن مصر والشام، فسكن آمد وأحسن إليه صاحبها، فلما مات العادل عاد إلى مصر ووزر للكامل، وأخذ في المصادر، وكان قد عمي، مات أخوه ولم يتغير ومات أولاده وهو على حاله، وكان يحم حمى قوية ويأخذه النافض وهو في مجلسه ينفذ الأشغال ولا يلقي جنبه إلى الأرض، وكان يقول: ما في قلبي حسرة إلا ابن البيساني، وما تمرغ على عتباتي - يعني القاضي الفاضل - وكان يحضر عنده وهو يشتمه فلا يتغير، وداراه أحسن مداراة، وبذل له أموالاً جمة. وعرض له إسهال وزحير (٤) أنهكه حتى انقطع ويئس الأطباء منه، فدعا من حبسه عشرة (٥) شيوخ من كبار العمال والكتاب وقال: أنتم تشمتون بي، وركب عليهم المعاصير وهو يزحر وهم يصيحون إلى أن أصبح وقد خف ما به، وركب في ثالث يوم. وكان يقف على بابه الرؤساء


(١) ص: أحداً.
(٢) ص: وعلمت.
(٣) ص: فساداً.
(٤) ص: اسهالاً وزخيراً.
(٥) ص: عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>