للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العيد قال: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاماً تعقل مفرادته ولا تعقل مركباته.

قال الشيخ شمس الدين: واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعاً بقوله لا نبي بعدي، فإن كان ابن سبعين قال هذا فقد خرج به من الإسلام، مع أن هذا الكلام هو أخف وأهون من قوله في رب العالمين: إنه حقيقة الموجودات، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وحدثني فقير صالح أنه صحب فقراء (١) من السبعينية، وكانوا يهونون له ترك الصلاة وغير ذلك، قال: وسمعت عن ابن سبعين أنه فصد يديه، وترك الدم يخرج حتى تصفى، ومات بمكة في ثامن عشرين شوال سنة ثمان وستين وستمائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة.

قال الشيخ صفي الدين الهندي: حججت سنة ست وستين، وبحثت مع ابن سبعين في الفلسفة، فقال لي: لا ينبغي لك المقام بمكة، فقال له: فكيف تقيم أنت بها؟ قال: انحصرت القسمة في قعودي بها، فإن الملك الظاهر يطلبني بسبب انتمائي إلى أشراف مكة، واليمن صاحبها له (٢) في عقيدة ولكن وزيره حشوي يكرهني.

قال صفي الدين: وكان ابن سبعين قد داوى صاحب مكة من مرض كان به فبرىء، فصارت له عنده مكانة، يقال: إنه نفي من المغرب بسبب كلمة كفر صدرت عنه وهي قوله: لقد حجر ابن آمنة كما مر في ترجمته. ويقال: إنه كان يعرف السيمياء (٣) والكيمياء، وإن أهل مكة كانوا يقولون إنه أنفق فيهم ثمانين ألف دينار، وإنه (٤) كان لا ينام كل ليلة حتى يكرر على ثلاثين سطراً من كلام غيره، فإنه لما خرج من وطنه كان ابن ثلاثين سنة، وخرج معه جماعة من الطلبة والأتباع


(١) ص: فقيراص، وأثبت ما في ر.
(٢) ر: لي.
(٣) ر: السيما.
(٤) ر: وإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>