وعرج بي ثم نهض علي فخنقني فغشي علي، فرماني في حفرة وطم علي المدر والحجارة، فبقيت كذلك ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع مر رجل صالح كان برباط الإسكاف عرفته بعد ثلاثين سنة، نزل من الصالحية ومر بجسر ابن شواش وهو يتلو، ثم إلى القطائع، فجلس يبول، وأنا أحرك رجلي، فرأى المدر يتحرك فظنه حية، فقلب الحجر فبدت رجلي في خف بلغاري، فاستخرجني فقمت أعدو إلى الماء فشربت من شدة عطشي، ووجدت في خاصرتي فزراً من الحجارة وفي رأسي فتحاً، وأراني أثر ذلك، ودخلت البلد إلى إنسان أعرفه، فمضى بي إلى ابن عم لنا وهو الصدر الخجندي، وكان مختفياً بالصالحية، وله غلامان ينسخان ويطعمانه، اختفى لأمور بدت منه أيام هولاكو، فأقمت مدة لا أخرج، وبلغت وحفظت القرآن، فمررت بعد مدة بالديماس، فرآني عمي فقال: ها، جمال؟ امش بنا إلى البيت، فما كلمته وتغير لوني، وكان معي رفيقان فقالا لي: مابك؟ فسكت وأسرعت، ثم رأيته مرة أخرى بالجامع، ثم خاف من عاقبتي فأخذ أموالي ودخل إلى اليمن وتقدم عند صاحبها ووزر له، ومات في تلك البلاد عن أولاد، وأما أنا فإني جودت الختمة على الزواوي، وتفقهت على النجم الموغاني، وترددت إلى الشيخ تاج الدين، ثم وليت القضاء عن ابن الصائغ، انتهى كلام الشيخ شمس الدين.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: هذا القاضي جمال الدين جاء إلينا إلى صفد قاضياً من جهة جمال الدين الزرعي، وأقام أشهراً، فلما تولى قاضي القضاة جلال الدين عزله، ثم توصل ودخل عليه فولاه ثم عزله وقرر له مرتباً يأخذه ولا يتولى الأحكام، فلما توجه قاضي القضاة جلال الدين إلى الشام وتولي عز الدين ابن جماعة ولاه قضاء دمياط، فلم يزل بها حاكماً إلى أن مات في سنة أربعين وسبعمائة. وكان فصيح العبارة، مليح الشكل، أحمر الوجه مستديره، منور الشيبة، عذب الكلام، ينظم نظماً عذباً منسجماً، وعمل مجلدة خطب، رحمه الله.