للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنبلياً فصار حنفياً (١) ، وكانت فيه شراسة على من يقرأ عليه، ولم يكن يلبس سراويل (٢) ولا على رأسه غطاء، وتوفي في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وأربعمائة، ببغداد.

وكان قد سمع من ابن بطة كثيراً وصحبه، وكان إذا ذكر المتنبي يعظمه، وكان يخرج من داره وقد اجتمع على بابه من أولاد الرؤساء جماعة، فيمشي وهم معه، ويلقي على ذا مسألة وعلى ذا مسألة، وكان يتكبر على أولاد الأغنياء، وإذا رأى الطالب غريباً أقبل عليه، وكان يعجبه الباذنجان ويقول في تفضيله: إن الناس يأكلونه ثمانية أشهر في العام، وهم أصحاء ولو أكلوا الرمان أربعة أشهر فلجوا.

ولما ورد الوزير عميد الملك الكندري إلى بغداد استحضر ابن برهان، وأعجبه كلامه، وأمر له بمالٍ فأبى أن يقبله، فأعطاه مصحفاً بخط ابن البواب وعكازاً مليحة حملت إليه من بلاد الروم، فأخذهما وعبر إلى منزله، فدخل عليه أبو علي بن الوليد المتكلم، فأخبره بالحال، فقال له: أنت تحفظ القرآن وبيدك عصاً تتوكأ عليها، فلم تأخذ شيئاً (٣) فيه شبهة؟ فنهض ابن برهان ودخل على قاضي القضاة أبي عبد الله بن الدامغاني وقال له: قد كدت أهلك لولا نبهني أبو علي بن الوليد، وهو أصغر مني سناً، وأريد أن تعيد هذه العكازة وهذا المصحف على عميد الملك، فما يصاحباني، فأخذهما وأعادهما إليه.

وكان مع ذلك يحب المليح مشاهدة، وإذا حضر أولاد الأمراء والأتراك وأرباب النعم يقبلهم بمحضر من آبائهم، ولا ينكرون عليه ذلك لعلمهم بدينه وورعه.

وكان يقول: لو كان علم الكيمياء حقاً لما احتجنا إلى الخراج، ولو كان


(١) ص: حنيفياً.
(٢) ص: سراويلاٍ.
(٣) ص: شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>