قطفت جناها واعتصرت مياهها ... فجمدت ما استعلى وذوبت ما انحطا
ولينة الأعطاف قاسية الحشا ... إذا نفثت في الصخر تصدعه هبطا
كأن عليها من زخاريف جلدها ... رداء من الوشي المفوف أو مرطا
توصل إبليس بها في هبوطه ... إلى الأرض من عدن ففارقها سخطا
أمت بها حياً وسودت أبيضاً ... وأسرفت في قلع السواد فما أبطا
وأحييت تلك الأرض من بعد موتها ... بري وكانت تشتكي الجدب والقحطا
كأن العيون الثابتات بخصرها ... عقدن نطاقاً أو على جيدها سمطا
كأن من البدر المنير مشابهاً ... ومن أنجم الجوزاء في أذنها قرطا
كأن من الصدغ الذي فوق خدها ... على ورده نوناً ومن خاله نقطا
ظفرت بها بالنفس من جسم أمها ... كما ظفرت بالقلب في صدره لقطا
وأرضعتها بالدر من ثدي بنتها ... فعاشت وكانت قبل ماتت به عبطا
فحلت به روح الحياة كأنما ... مزجت لها في ذلك الدر إسفنطا
وصيرتها بنتاً وصيرت بنتها ... لها مرضعاً فاعجب لمرضعة شمطا
فحالت هناك البيت والأم فضة ... فتى لم يزاحمه العذر ولا خطا
له منظر كالشمس يعطي ضياءه ... وليس كمثل البدر يأخذ ما أعطى
فهذا الذي أعيا الأنام فأضمروا ... لمن وضع الأرماز في علمه سخطا
وهذا هو الكنز الذي وضعوا له ... برابي إخميم وخصوا بها قفطا
وتخليصه سهل بغير مشقة ... لمن عرف التطهير والعقد والخلطا
أبا جعفر خذها إليك يتيمة ... تورع لوقا أن يورثها قسطا
ولكنني لما رأيتك أهلها ... سمحت بها لفظا وأثبتها خطا ومن شعره أيضاً في الصناعة:
لقد قلبت عيناي عن عينه قلبي ... بلينة الأعطاف قاسية القلب
يهيم الفتى الشرقي منها بغادة ... تشوق إلى شرق وترغب عن غرب