فاقتسموا المواضع فبلغوا جزيرة فنزلوا لقضاء حاجة وصاحب السفينة ينادي أنا النذير والموت الموت المغير ألا عجّلوا عجّلوا فقد أزف الرحيل فتفرقوا ثلاثة فرق: فرقة كانوا أعقل الناس تطهروا ورجعوا فوجدوا مكانهم خاليا فجلسوا واستراحوا، وفرقة اشتغلوا بنضارة الجزيرة والنظر الى مزخرفاتها وأعاجيبها من أفانين الطيور والأصوات فلما انصرفوا وجدوها قد امتلأت بالقوم فضاقت عليهم الأرض بما رحبت فجلسوا على التعب الشديد، وفرقة أخرى كانوا أحمق الناس وأجهلهم اشتغلوا بالنضارة والحديث وجمع آلات الجزيرة وأخذها حتى سيقت السفينة ولم يسمعوا نفير صاحبها فبقوا في الجزيرة مقيمين متحيرين حتى هلك بعضهم بالجوع وبعضهم بافتراس السباع، فالفرقة الاولى مثال المؤمنين المتقين، والفرقة المتخلفة مثال الكافرين المتخلفين، والفرقة المتوسطة مثال العاصين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فهذه أمثلة الدنيا ولو طولناها لطالت ولكن خير الكلام ما قل فدل ولم يطل فيمل والله تعالى أعلم.
[(الباب الثالث في شدائد الدنيا)]
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: ارحموا ثلاثة عزيز قوم ذل وغنيا افتقر وعالما تلاعب به الجهال، وتذاكر بعض الصحابة شدائد