للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم والقدرة والارادة والحياة بالعقل، وأثبت السمع والبصر والكلام بالسمع، ولم يثبت شيئا من الصفات الخبرية. وأما من قبل هؤلاء كأبي المعالي الجويني وأمثاله، والقاضى أبي يعلى وأمثاله، فيثبتون جميع هذه الصفات بالعقل، كما كان يسلكه القاضي أبو بكر ومن قبله كأبي الحسن الأشعري وأبي العباس القلانسي ومن قبلهم كأبي محمد بن كلاب والحارث المحاسبي وغيرهما. وهكذا السلف والأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله، يثبتون هذه الصفات بالعقل كما ثبتت بالسمع وهذه الطريقة أعلى وأشرف من طريقة هؤلاء المتأخرين (١) "، ومنهج شيخ الإسلام أن كثيرا من الصفات- غير الصفات السبع- قد يعلم بالعقل، مثل الحب والرضا والغضب، والعلو والرؤية (٢) .

ثم إن شيخ الإسلام مع موافقته للأشعرية في أن الصفات السبع يدل عليها العقل، كما قد دل عليها السمع، إلا أنه يرد عليهم منهجهم في إثبات هذه الصفات، حيث إنهم أثبتوها أولا لأن العقل دل عليها، ثم إنهم لما وجدوا أن السمع وافق العقل في هذا احتجوا به، وليس هذا هو منهج السلف الصالح- رحمهم اللهـ الذي يقوم على الإقرار بما ورد في الكتاب والسنة وإن لم نعلمه بعقولنا، يقول شيخ الإسلام: " إن وجوب تصديق كل مسلم بما أخبر الله به ورسوله من صفاته ليس موقوفا على أن يقوم (٣) دليل عقلي على تلك الصفة بعينها، فإنه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرسول-صلى الله عليه وسلم- إذا أخبرنا بشيء من صفات الله تعالى وجب علينا التصديق به وإن لم نعلم ثبوته بعقولنا.

ومن لم يقر بما جاء به الرسول حتى يعلمه بعقله فقد أشبه الذين قال الله عنهم: "قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ" [الأنعام: ١٢٤] ، ومن سلك هذا السبيل فهو في الحقيقة ليس مؤمنا بالرسول، ولا متلقيا عنه الأخبار بشأن الربوبية، ولا فرق عنده بين أن يخبر الرسول بشيء من ذلك، أو لم يخبر به، فإن ما أخبر به إذا لم يعلمه لا يصدق به، بل يتأوله


(١) شرح الأصفهانية (ص: ٨-٩) - ت مخلوف - وانظر: مجموع الفتاوى (٢/٣٢) .
(٢) انظر: التدمرية (ص: ١٤٩- ١٥٠) - المحققة.
(٣) في المطبوعة- ت مخلوف، (يقوم عليه دليل) والتصويب من المحققة.

<<  <  ج: ص:  >  >>