للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن شيخ الإسلام وهو يرد على الجويني في مسألة حلول الحوادث (١) ، ألزمه ذلك في مسألة السمع والبصر فقال: "ما ذكره [أي الجويني] أن المعتزلة قصدهم من طرد الدليل في هذه المسألة [أي مسألة حلول الحوادث] أنه إذا لم يمتنع تجدد احكام للذات من غير أن يدل على الحدوث، لم يبعد مثل ذلك في اعتوار الأعراض على الذات" (٢) - قال ابن تيمية- يلزمه مثل ذلك في تجدد حكم السمع والبصر، فإنه إنما يتعلق بالموجود دون المعدوم، وإما أن يكون الرب بعد أن خلق الموجودات كحالة قبل وجودها في السمع والبصر، أو لا يكون. فإن كان حاله قبل كحاله بعد، وهو قبل لم يكن يسمع شيئا ولا يراه فكذلك بعد، لاستواء الحالين، فإن قيل: إن حاله بعد ذلك خلاف حاله قبل، فهذا قول بتجدد الأحوال والحوادث، ولا حيلة في ذلك، ولا يمكن أن يقال في ذلك ما قيل في العلم، لأن العلم يتعلق بالمعدوم، فأمكن المفرق أن يقول حاله قبل وجود المعلوم وبعده سواء" (٣) .

وقول ابن تيمية هنا في "العلم" ليس رجوعا عن قوله السابق: إن الله يعلم الشيء كائنا بعد وجوده، مع علمه السابق- كما سبق بيانه في صفة العلم- وإنما قصد هنا أن مسألة السمع والبصر أكثر وضوحا من مسألة العلم، لأن العلم يتعلق بالمعدوم، أما السمع والبصر فيتعلقان بالمسموع والمبصر من الموجودات، فلو احتج محتج على جواز تعلقهما بالمعدوم حتى لا يقال عند وجود المبصر والمسموع إنه تعالى حلت به الحوادث- على صفة العلم لم تقبل حجته، لأن العلم يجوز أن يتعلق بالمعدوم قبل وجوده ففارق السمع والبصر في ذلك، فابن تيمية قطع الاحتجاج بالعلم أولا، مع أن التحقيق في مسألة العلم أنه لو احتج بها لم يكن له بها حجة، لأن القول بأن علمه تعالى بالشيء


(١) وعلاقتها بصفة الكلام، انظر: التسعينية (ص: ١٩٦) وما بعدها.
(٢) التسعبنية (ص: ٢٠٢) ، وكلام الجويني في الإرشاد (ص: ٤٥) .
(٣) التسعينية (ص:٢٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>