للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب كما أن الغزالي رد على الفلاسفة في مسألة الجسم، وبين أنه لا دليل لهم على نفيه (١) إلا بالاستدلال على حدوث الجسم، ثم إن الغزالي والأشعري وغيرها قد بينوا فساد ما احتجت به المعتزلة على حدوث الأجسام، والرازي أيضاً بين فساد هذا الدليل في المباحث الشرقية والمطالب العالية (٢) ، وبذلك يتبين أنه لا دليل للفلاسفة على نفي الجسم مطلقاً.

يقول الغزالي في رده على الفلاسفة: "مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن الأول ليس بجسم، فنقول: هذا وإنما يستقيم لمن يرى أن الجسم حادث، من حيث إنه لا يخلو من الحوادث، وكل حادث فيفتقر إلى محدث، فأما أنتم إذا عقلتم جسما قديما، لا أول لوجوده، مع أنه لا يخلو من الحوادث، فلم يمتنع أ، يكون الأول جسما، إما الشمس وإما الفلك الأقصى، وإما غيره" ثم ذكر حجتهم وردها فقال: "فإن قيل: لأن الجسم لا يكون إلا مركبا منقسما إلى جزأين، بالكمية، وإلى الهيولي والصورة بالقسمة المعنوية، وإلى أوصاف يختص بها لا محالة حتى يباين سائر الأجسام وإلا فالأجسام متساوية في أنها أجسام، وواجب الوجود واحد لا يقبل القسمة بهذه الوجوه كلها.

قلنا: وقد أبطلنا هذا عليكم [أي في مسألة التركيب السابقة] وبينا أنه لا دليل لكم عليه، سوى أن المجتمع إذا افتقر بعض أجزائه إلى البعض كان معلولا، وقد تكلمنا عليه، وبينا أنه إذا لم يبعد تقدير موجود لا موجد (٣) له، لم يبعد تقدير مركب لا مركب له، وتقدير موجودات لا موجد لها" (٤) .

فالغزالي بين أنه لا دليل للفلاسفة على نفي الجسم، ثم هو وأصحابه بينوا أن دليلهم المشهور على نفي الجسم دليل فاسد.


(١) بل إن الجويني عقد فصلا في الشامل (ص: ٤١٤) مشتملا على ذكر عجز المعتزلة عن نصب الأدلة على استحالة كون القديم جسما. وكأن نفيه عندهم من المفاخر!!
(٢) انظر: درء التعارض (٤/٢٨٩-٢٩٠) .
(٣) في درء التعارض [موجود] وهو خطأ مطبعي.
(٤) تهافت الفلاسفة (ص: ١٩٣) ، وقارن بالدرء (٤/٢٨٤-٢٨٥) ، انظر أيضاً: درء التعارض (١٠/٢٣٧) ، ومجموع الفتاوى (٥/٢٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>