للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج ومن الذين تناقضوا في مسألة "التركيب" الآمدي، وبيان ذلك أن الآمدي والأشاعرة جعلوا إثبات واجب الوجود موقوفا على إبطال التسلسل، فرد عليهم الفلاسفة بأن الممكن لا بد له من مرجح مؤثر، ثم إما أن يتسلسل الأمر حتى يكون لكل مرجح ممكن، فتتسلسل العلل والمعلومات الممكنة، أو ينتهي الأمر إلى واجب بنفسه. وقالت الفلاسفة: لم لا يجوز أن يكون التسلسل جائزاً؟ فلما رد عليهم الأشاعرة وغيرهم وجميع الناس بأن التسلسل باطل ضرورة انتهاء الحوادث إلى واجب بنفسه، قالت الفلاسفة - وهو من أعظم أسولتهم: لم لا يكون المجموع [أي مجموع الحوادث] واجباً بأجزائه المتسلسلة، وكل منها واجب بالآخر؟ ومضمونه: وجوب وجود أمور ممكنة بنفسها، ليس فيها ما هو موجود واجب بنفسه لكن كل منها معلول للآخر، والمجموع معلول بالأجزاء (١) .

وهذا السؤال ذكره الآمدي، وذكر أنه لا يستطيع أن يجيب عنه بل قال عنه: وهذا إشكال مشكل، وربما يكون عند غيري حله (٢) .

هذا في واجب الوجود، أما في إثبات العلو والصفات فإن الآمدي يرى أن هذا يلزم منه التركيب والمركب يستلزم أجزاءه. ولم يقل كقوله هناك لم لا يكون المجموع واجباً بنفسه؟

يقول شيخ الإسلام معلقا على هذا ومتعجبا منه: "وهؤلاء قلبوا الحقائق العقلية فقالوا: إذا اجتمعت واجبات بأنفسها صارت ممكنة وإذا اجتمعت ممكنات بأنفسها صارت ممكنة وإذا اجتمعت ممكنات بأنفسها صارت واجبة. فإذا تكلموا في نفي الصفات الواجبة لله، جعلوا كون المركب يستلزم أجزاءه موجبا لامتناع المركب الذي جعلوه مانعا من العلو والتجسيم ومن ثبوت الصفات، ولا يوردون على أنفسهم، ما أوردوه في إثبات واجب الوجود. وإيراده هنا أولى لأن فيه مطابقة لسائر أدلة العقل، مع تصديق ما جاءت به الرسل، وما في ذلك من إثبات صفات الكمال لله تعالى، بل وإثبات حقيقته التي


(١) انظر: درء التعارض (٤/٢٣٢-٢٣٣) .
(٢) انظر: المصدر السابق - نفس الجزء والصفحة - وانظر أيضا: درء التعارض (٣/٩٥، ١٤٧، ١٧٥، ٢٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>