للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتج به أصحابه الأشاعرة وهو مبني على أن العالم ممكن الوجود بذاته، وكل ممكن بذاته فهو محدث، وتقرير الإمكان أن أجسام العالم مؤلفه مركبة، وكل ما كان مركبا مؤلفا فهو مفتقر إلى أجزائه، وكل مفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بذاته. وبعد أن ساق الآمدي هذا الدليل ضعفه وقال: "وقولهم: إن العالم مركب، مسلم، ولكن ما المانع أن تكون أجزاؤه واجبة؟ وما ذكروه من الدلالة فقد بينا ضعفها في مسألة الوحدانية" (١) . قال شيخ الإسلام معلقا: "فهنا لما احتجوا بهذه الدلالة على حدوث العالم ذكر ضعفها، وأحال على ما ذكره في الوحدانية، فكيف يحتج بها بعينها في مثل هذا المطلوب بعينه، وهو كون الأجسام ممكنة لأنها مركبة، ويحيل على ما ذكره في التوحيد.

ومعلوم أنه لو أبطلها حيث تعارض نصوص الكتاب والسنة، واعتمد عليها حيث لا تناقض ذلك، لكان - مع مافيه من التناقض - أقرب إلى العقل والدين من أن يحتج بها في نفي لوازم نصوص الكتاب والسنة، ويبطلها حيث لا تخالف نصوص الأنبياء" (٢) .

وخلاصة تناقض الآمدي هنا: أنه في مسألة إثبات أن الله واحد احتج الفلاسفة بأنه لو كان هناك الهان للزم التركيب - كما ذكروا في سياق دليلهم (٣) ، فاعترض عليهم الآمدي بأن هذا ضعيف محتجا عليهم بأنه إذا كان إثبات الصفات لواجب الوجود لا يلزم منه التركيب، لأن العذر فيهما واحد (٤) .

يقول شيخ الإسلام معلقا على هذا - بأسى بالغ -: "ومن أعجب خذلان المخالفين للسنة وتضعيفهم للحجة إذا نصر بها حق، وتفويتها إذا نصر بها باطل: أن حجة الفلاسفة على التوحيد قد أبطلها لما استدلوا بها على أن الإله واحد - والمدلول حق لا ريب فيه، وإن قدر ضعف الحجة.


(١) انظر: المصدر السابق (٤/٢٤٧-٢٤٨) .
(٢) انظر: المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
(٣) انظر نص دليلهم في درء التعارض (٤/٢٤٨-٢٥٠) .
(٤) انظر: المصدر السابق (٤/٢٥٠-٢٥١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>