للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل القدر من الصفات" (١) .

وهذه مسألة واضحة، لأن كل موجود لا بد له من قدر وصفة، فما يقال في أحدهما يقال في الآخر. والأشاعرة الذين فرقوا بينهما لأجل أن القدر يلزم منه نوع تجسيم إنما هذا تصور منهم، وإلا فلا فرق بينه وبين الصفة، فلو سلمت حجتهم في القدر لسلمت حجة الفلاسفة والمعتزلة في الصفات وأنه يلزم منها التجسيم.

ولهذا لم يفرق الرازي في إثبات الصانع بين القدر وغيره (٢) .

٣- أن قول القائل: كل ذي قدر يمكن أن يكون أكبر أو أصغر، أو أن كل ذي وصف يمكن أن يكون بخلاف ذلك الوصف، ونحو ذلك. يقال له: أتريد الإمكان الذهني، أو الإمكان الخارجي؟ والفرق بينهما أن الإمكان الذهني معناه عدم العلم بالامتناع، والإمكان الخارجي معناه: العلم بالإمكان في الخارج.

"فإن قال: أريد به الإمكان الذهني، لم ينفعه ذلك، لأن غايته عدم العلم بامتناع كون تلك الصفة واجبة.. وإن قال: أريد الإمكان الخارجي، وهو أني أعلم أ، كل موصوف بصفة، أو كل ذي قدر يمكن أن يكون بخلاف ذلك، كان مجازفا في هذا الكلام؛ لأن هذه قضية كليلة تتناول من الأفراد ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وليس معه دليل يدل على إمكان ذلك في الخارج يتناول جميع هذه الأفراد. غايته أنه رأى بعض الموصوفات والمقدرات يقبل خلاف ما هو عليه، فإذا قاس الغائب على الشاهد كان هذا من أفسد القياس لاختلاف الحقائق.

ولأن هذا ينعكس عليه فيقال له: لم نر إلا ماله صفة وقدر، فيقاس الغائب على الشاهد. ويقال: كل قائم بنفسه فله صفة وقدر، وهذا إلى المعقول أقرب من قياسهم، فإن هذا لا يعلم انتقاضه، وأما قول القائل: كل ماله صفة وقد رفيقبل خلاف ذلك فلا يعلم اطراده، فأين القياس الذي لا يعلم انتقاضه من القياس الذي لا يعلم اطراده؟.


(١) انظر: درء التعارض (٣/٣٥٦) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٣/٣٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>