للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بد له من مخصص مباين له، كقوله: كل موجود فلا بد له من موجد مباين له، وكل حقيقة فلا بد لها من محق مباين لها، وكل قائم بنفسه فلا بد له من مقوم مباين، وأمثال ذلك" (١) .

٥- إن هؤلاء متناقضون، لأنهم في مسألة وجود المحدثات والكائنات بعد أن لم توجد، إذا قيل لهم: لم لم توجد قبل وقت وجودها، أو لم لم تكن أكبر أو أصغر مما هي عليه، أجابوا وقالوا: القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مخصص. وحينئذ فيقال لهم: "هذا مع بطلانه يوجب تناقضكم؛ فإنكم قلتم: لا بد للتخصيص من مخصص، ثم قلتم: كل الممكنات مخصصة ووجدت بدون مخصص، بل رجح أحد المتماثلين على الآخر من غير مخصص.

وإذا جوزتم في الممكنات وجود المخصصات بدون مخصص، مع أن نسبة القادرة إلهيا نسبة واحدة، فالموجود بنفسه أولى أن يستغنى عن مخصص مما اختص به من ذاته وصفاته ... " (٢) .

وهذا تناقض ومحل إلزام لا محيد لهم عنه، فإن النصوص إذا وردت بإثبات صفاته وأنه على العرش استوى، وأنه في جهة العلو بائن من خلقه، وجب إثبات ذلك، فإذا اعترضوا بأن هذا يلزم منه أن يكون له قدر، واختصاصه بهذا القدر لا بد له من مخصص، كان هذا متناقضا مع قولهم في وجود المخلوقات وأنها لم توجد أكبر أو أصغر مما هي عليه بدون مخصص.

٦- ومن أعظم تناقض الأشاعرة المنكرين لعلو الله تعالى وصفاته الفعلية القائمة به في هذا الباب، تناقضهم في مسألة الصفات حين حدوده بسبع - أو ثمان مع صفة البقاء لمن قال بها - فإنه يقال لهم - كما يقول الشهرستاني نفسه - "بم تنكرون على من يقول: إن القادر الذي اختص به نهاية وحد، واجب له لذاته، فلا بد يحتج إلى مخصص. والمقادير التي هي في الخلق إنما احتاجت إلى مقدر لأنها جائزة، وذلك لأن الجواز في الجائزات إنما يعرف بتقدير القدرة،


(١) انظر: درء التعارض (٣/٣٦٥) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٣/٣٧٠) ، وأيضا (٤/٢٦٩-٢٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>