وأما المانع فيبين أن المانع الذي تخيله فيما نفاه من جنس المانع الذي تخيله فيما أثبته؛ فإذا كان ذلك المانع المستحيل موجودا على التقديرين لم ينج من محذوره بإثبات أحدهما ونفي الآخر، فإنه إن كان حقا نفاهما، وإن كان باطلا لم ينف واحد منهما، فعليه أن يسوي بين الأمرين في الإثبات والنفي، ولا سبيل إلى النفي فتعين الإثبات.
فهذه نكتة الإلزام لمن أثبت شيئاً وما من أحد إلا ولا بد أن يثبت شيئاً، أو يجب عليه إثباته" (١) .
ثم ضرب شيخ الإسلام مثالا في الرد على متأخري الأشعرية - سبق نقله عند الكلام على شبهة التركيب -.
وبعد هذه المقدمة العامة يمكن ذكر نماذج من تطبيق شيخ الإسلام لهذا الأصل في ردوده ومناقشاته للأشاعرة، ومنها:
١- إذا كان التجسيم لازما لبعض الصفات فهو لازم للصفات التي أثبتموها، وبالعكس، أي إذا لم يكن التجسيم لازما للصفات التي أثبتموها، فلا يلزم في الصفات التي نفيتموها، وهكذا. والنتيجة أنكم إما أن تثبتوا جميع الصفات لأنها لا تستلزم التجسيم، أو تنفوها كلها لا ستلزامها التجسيم.
وهذا وارد في جميع الصفات التي نفاها متأخرو الأشاعرة كصفة الرضا، والغضب، والرحمة، والوجه، واليد، والاستواء، والمجيء وغير ذلك.
وقد بدأ شيخ الإسلام في تقرير هذا بأن الصفات من المعتزلة والجهمية والقرامطة والباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة، يقولون: "إذا قلتم: إن القرآن غير مخلوق، وإن لله تعالى علماً، وقدرة، وإرادة، فقد قلتم بالتجسيم؛ فإنه قد قاد دليل العقل على أن هذا يدل على التجسيم؛ لأن هذه معاني لا تقوم بنفسها،
(١) الأكليل في المتشابه والتأويل - مجموع الفتاوى (١٣/٣٠٢) .