للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الصفات لكون إثباته تجسميا وتشبيها، يقول له المثبت: قولي فيما أثبته من الصفات والأسماء كقولك فيما أثبته من ذلك، فإن تنازعا في الصفات الخبرية، أو العلو، أو الرؤية أو نحو ذلك وقال له النافي: هذا يستلزم التجسيم والتشبيه؛ لأنه لا يعقل ما هو كذلك إلا الجسم، قال المثبت: لا يعقل ما له حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام وإرادة إلا ما هو جسم، فإذا جاز لك أ، تثبت هذه الصفات وتقول: الموصوف بها ليس بجسم، جاء لي مثل ما جاز لك من إثبات تلك الصفات مع أن الموصوف بها ليس بجسم، فإذن جاز أن يثبت مسمى بهذه الأسماء ليس بجسم. فإن قال له: هذه معان وتلك أبعاض. قال له: الرضا والغضب والحب والبغض معا، واليد والوجه - وإن كان بعضا - فالسمع والبصر والكلام أعراض لا تقوم إلا بجسم، فإن جاز لك إثباتها مع أنها ليست أعراضها ومحلها ليس بجسم، جاز لي أ، أثبت هذه مع أنها ليست أبعاضا" (١) .

ولن الأشاعربة يعترضون ويقولون: الغضب هو غليان دم القلب لطلب الإنتقام، والوجه هو ذو الأنف والشفتين واللسان والخد، أو نحو ذلك" (٢) .

فيجيبهم المثبتة بقولهم: "إن كنتم تريدون غضب العبد ووجه العبد، فوزانه أن يقال لكم: ولا يعقل بصر إلا ما كان بشحمه، ولا سمع إلا ما كان بصماخ، ولا كلاما إلا ما كان بشفتين ولسان، ولا إرادة إلا ما كان لاجتلاب منفعة أو استدفاع مضرة، وأنتم تثبتون لله السمع والبصر والكلام والإرادة على خلاف صفات العبد، فإن كان ما تثبتونه مماثلا لصفات العبد لزمكم التمثيل في الجميع، وإن كنتم تثبتونه على الوجه اللائق بجلال الله تعال من غير مماثلة بصفات المخلوقات، فأثبتوا الجميع على هذا الوجه المحدود، ولا فرق بين صفة وصفة، فإن ما نفيتموه من الصفات فيه نظير ما أثبتموه.

فإما أن تعطلوا الجميع، وهو ممتنع، وإما أ، تمثلوه بالمخلوقات وهو ممتنع، وأما أ، تثبتوا الجميع على وجه يختص به لا يماثله فيه غيره، وحينئذ فلا فرق بين صفة وصفة، فالفرق بينهما بإثبات أحدهما ونفي الآخر فرارا من التشبيه


(١) درء التعارض (١/١٢٧-١٢٨) .
(٢) مجموع الفتاوى (٦/٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>