للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتجسيم قول باطل، يتضمن الفرق بين المتماثلين، والتناقض في المقالتين" (١) .

ولا تحتاج هذه المناقشة إلى تعليق، لأن التناقض واضح في تفريقهم بين ما يلزم منه تجسيم وتشبيه وين ما لا يلزم منه ذلك، لأن هذه الصفات كلها يتصف بها المخلوق، فإن لزم في بعضها التشبيه لزم في الباقي، وإن لم يلزم في بعضها لم يلزم في الباقي.

ولذلك فإن الأشاعرة يرجعون في التفريق إلى دليل العقل، فيقولون: ما دل عليه العقل وجب إثباته، وما لم يدل عليه العقل فيجب نفيه، أو على الأقل التوقف فيه.

يقول الأشعري - معللا تفريقه بين إثبات الصفات السبع ونفي ما عداها -: "تلك الصفات أثبتها بالعقل، لأن الفعل الحادث دل على القدرة، والتخصيص دل على الإرادة، والإحكام دل على العلم، وهذه الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام، أو ضد ذلك" (٢) .

وهناك يذكر شيخ الإسلام أن لسائر أهل الإثبات أجوبة:

أحدها: أن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، وهذا مبني على مسالة واضحة جدا يقر بها كل عاقل، وهي أن عدم العلم ليس علما بالعدم (٣) ، فعدم علمي بوجود كتاب، أو مدينة من المدن المغمورة، أو وجود شخص ما - لا يعني أ، هذه الأمور غير موجودة، بل قد تكون موجودة وقد يكون علمها غيري، فعدم علمي بها ليس علما بعدمها، وهذا لو أنكره إنسان لعد من أجهل الناس.

ولذلك فإنه يقال لهؤلاء الأشاعرة: عدم الدليل المعين، الذي هو دليل العقل، والذي قلتم إنه لم يدل على ما عدا الصفات السبع، لا يستلزم عدم المدلول المعين الذي هو باقي الصفات، "فهب أن ما سلكته من الدليل العقلي


(١) مجموع الفتاوى (٦/٤٥-٤٦) .
(٢) التدمرية (ص:٣٣) - المحققة.
(٣) انظر: الرد على المنطقيين (ص:١٠٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>