للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة، متلو بالألسن حقيقة، مكتوب في المصاحف حقيقة (١) ، ومن ثم كانوا يعترفون بأن هذا القرآن كلام الله، ويحترمونه.

فجاء بعد ذلك أقوام - من أتباعهم - فقالوا - في القرآن إنه "معنى قائم بذات الله فقط، وأن الحروف ليست من كلام الله، بل خلقها الله في الهواء، أو صنفها جبريل، أو محمد، فضموا إلى ذلك، أن المصحف ليس فيه إلا مداد وورق، وأعرضوا عما قاله سلفهم من أن ذلك دليل على كلام الله فيجب احترامه - لما رأوا أن مجرد كونه دليلا لا يوجب الإحترام، كالدليل على الخالق المتكلم بالكلام؛ فإن الموجودات كلها أدلة عليه، ولا يجب احترامها، فصار هؤلاء يمتهنون المصحف حتى يدوسوه بأرجلهم، ومنه من يكتب أسماء الله بالعذرة، اسقاطا لحرمة ما كتب في المصاحف والورق من أسماء الله وآياته.

وقد اتفق المسلمون على أن من استخف بالمصحف، مثل أن يلقيه في الحش أو يركضه برجله، إهانة له، أنه كافر مباح الدم.

فالبدع تكون في أولها شبرا، ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعا وأميالا وفراسخ" (٢) .

ولا شك أن هذا الغلو والكفر الذي وقع فيه هؤلاء لا يرتضيه جمهور الأشاعرة، ولكن التعصب في بعض الأوقات قد يجر بعض الناس إلى مواقف وأقوال لا تليق، إظهارا لمذهبهم، وإبرازا لقناعتهم به.

والأشعري يطلق على القرآن أنه كلام الله، ولكنه يقول إنه القرآن العربي مخلوق، خلقه الله في الهواء أو الجسم. وأما إطلاق أن هذا القرآن العربي كلام جبري - عليه السلام - أو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء من المنتسبين إليه ولم يكن قولا للأشعري (٣) .


(١) ومن زعم أن مقصودهم بذلك أن المعنى أن القرآن محفوظ بالقلوب كما أن الله معلوم بالقلوب، ومتلو بالألسن كما أن الله مذكور بالألسن، ومكتوب بالمصاحف كما أن الله مكتوب بالمصاحف، فقد غلط عليهم، لأن القرآن عندهم عبارة عنه. انظر: مجموع الفتاوى (٨/٤٢٤) .
(٢) مجموع الفتاوى (٨/٤٢٥) .
(٣) انظر: المصدر السابق (١٢/٥٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>