للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- أن دعواهم أن الإيمان في اللغة هو التصديق لم يؤيده بشاهد من كلام العرب، وإنما دعمه بما ينقض دعواه، وذلك أنه قال: ومنه قولهم: فلان يؤمن بالشفاعة، وفلان لا يؤمن بعذاب القبر، وهذا - قطعاً - ليس من ألفاظ العرب قبل نزول القرآن. ثم بعد ذلك فمن قال هذا ليس مراده مجرد التصديق - كما يدعي هؤلاء - وإنما مراده التصديق بالقلب واللسان، لأن إيمانه لا يمكن أن يعلم حتى يخبر عنه.

وأيضاً فإن التصديق بالشفاعة وعذاب القبر وغيرهما مما يرجى ويخاف، لا يتم تصدقه إلا مع الخوف من عذاب القبر، والرجاء للشفاعة، ولو صدق بهما من غير خوف ولا رجاء لم يكن مؤمناً. كما أن إبليس لا يسمى مؤمناً وإن كان مصدقاً بوجود الله وربوبيته، كما أن فرعون لا يسمى مؤمناً وإن كان عالماً بأن الله أرسل موسى، ولا يسمون اليهود مؤمنين بالقرآن والرسول، وإن كانوا يعرفون أنهما حق ... وهكذا (١) .

٣- أنه لو فرض أن الإيمان في اللغة هو التصديق، فمن المعلوم أن الإيمان ليس هو التصديق بلك شيء، بل بشيء مخصوص وهو ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحينئذ فالإيمان في كلام الشارع أخص من الإيمان في اللغة. والخاص تضم إليه قيود لا توجد في جميع العام، كقول اللسان وعمل القلب، فيكون الإيمان في كلام الشارع مؤلفاً من العام والخاص (٢) .

٤- وإذا كان الإيمان له في الشرع معان خاصة، فلا بد من الرجوع إلى المقصود به في الكتاب والسنة، مثلا الصلاة، والزكاة، والحج. وفي القرآن لم يرد ذكر إيمان مطلق غير مفسر، وإنما ورد لفظ الإيمان فيه إما مقيداً، وإما مطلقا مفسراً:

فالمقيد قوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة: من الآية٣) ، وقوله: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} (يونس: من الآية٨٣) .


(١) انظر: الإيمان (ص:١١٩-١٢٠) .
(٢) انظر: المصدر السابق (ص:١٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>