للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والباقلاني وإن كان يثبت الاستواء والعلو إلا أنه يرى عدم إطلاق الجهة على الله تعالى، يقول: " ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات والانصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:١١) ، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الاخلاص:٤) ، ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى بتقديس عن ذلك، فإن قيل: أليس قد قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:٥) ، قلنا: بلى، قد قال ذلك، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب والسنة لكن ننفي عنه أمارة الحدوث، ونقول: استواؤه لا يشبه استواء الخلق، ولا نقول: إن العرش له قرار ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان، فلما خلق المكان لم يتغير عما كان" (١) ، ثم ينقل عن أبي عثمان المغربي أنه قال: " كنت اعتقد شيئاً من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد وزال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا: إني قد أسلمت جديداً" (٢) . ولفظ الجهة -كما سيأتي - لفظ مجمل.

ز- أما رأيه في كلام الله تعالى فهو يقول: " اعلم أن الله تعالى متكلم، له كلام عند أهل السنة والجماعة، وأن كلامه قديم، ليس بمخلوق ولا مجعول ولا محدث، بل كلامه قديم، صفة من صفات ذاته، كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك من صفات الذات، ولا يجوز أن يقال: كلام الله عبارة ولا حكاية ... " (٣) ، ويقول: " ويجب أن يعلم أن كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة" (٤) و" مسموع لنا على الحقيقة لكن بواسطة وهو القاري" (٥) ، وحقيقة الكلام عنده


(١) رسالة الحرة (ص: ٤١) .
(٢) المصدر السابق (ص: ٤٢) .
(٣) نفسه (ص: ٧١) ، وانظر: (ص: ١١٠) .
(٤) نفسه (ص: ٩٣) .
(٥) نفسه (ص: ٩٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>