للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه القصة كما يظهر من مصدرها ليس لها سند صحيح، وسياق القصة يدل على الهدف من وضعها، واذا كان مصدر السلف الأول هو كتاب الله وفيه الحجج والبراهين الدامغة فكيف يخطر على البال أنهم يعجزون عن المناقشة والرد على أهل البدع. أما إن كان القصد المناقشة ببدع وأصول أهل الكلام فلا ريب أن السلف كانوا بعيدين عنها ولا يعرفونها لأنهم في غنى عنها، لكن من عاش منهم مع أهل الكلام ثم رجع إلى منهج ومذهب أهل الحديث فهذا قد تكون له خبرة بهم، ولذلك قال نعيم بن حماد (١) - الذى امتحن في مسألة القرآن فأبى أن يجيب، فحبس ومات في السجن- يقول عن نفسه: " أنا كنت جهميا، ولذلك عرفت كلامهم، فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل " (٢) .

والسلف- رحمهم اللهـ لم ينهوا عن جنس النظر والاستدلال، ولكن معارضتهم تركزت على الأساليب الكلامية المبنية على غير الكتاب والسنة (٣) . ولذلك روى الآجرى عن محمد بن سيرين لما ماراه (٤) رجل في شيء، فقال له محمد: " إني أعلم ما تريد، وأعلم بالمماراة منك ولكني لا أماريك" (٥) ، فهو لا يريد الممارأة والجدل، ولو جادله لجادله بمنهج القرآن والسنة لا بمنهج المتكلمين.


(١) هو نعيم بن حماد بن معاوية، أبو عبد الله الخزاعي - ت: ٢٢٨ هـ، طبقات ابن سعد (٧ / ٥١٩) ، وتاريخ بغداد (١٣ / ٣٠٦) ، وتهذيب المزي- المخطوط (ص: ١٤١٩) ، وسير أعلام النبلاء (١٠/٥٩٥) .
(٢) تاريخ بغداد (١٣/٣٠٧) ، وتهذيب المزى (ص: ١٤٢٠) ، وسير أعلام النبلاء (١٠/٥٩٧) .
(٣) انظر: قواعد المنهج السلفى: مصطفى حلمي (ص: ٨٥) ، ومنهج علماء الحديث والسنة له (ص:٤٠) .
(٤) من المماراة: تقول ماريت الرجل، أى: جادلته. انظر: الصحاح مادة:" مرا" من حرف الياء، وقد وردت اللفظة في الشريعة وفي طبعتى فضل علم السلف " ومارآه" وهر تحريف.
(٥) الشريعة للآجري (ص: ٦١ - ٦٢) ، وانظر: بيان فضل علم السلف لابن رجب (ص: ٣٧) ط دار الأرقم.

<<  <  ج: ص:  >  >>