وهذا يدل على أن السلف لا يناظرون إلا عند الحاجة، ومناظرتهم لا تكون بمنهج المتكلمين، يقول الآجري:" فإن قال قائل: فإن اضطر في الأمر- وقتا من الأوقات- إلى مناظرتهم وإثبات الحجة عليهم، ألا يناظرهم؟، قيل: الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء، فيمتحن الناس ويدعوهم إلى مذهبه، كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل-رحمه الله-: ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم السوء، فلم يجد العلماء بدا من الذب عن الدين، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل، فناظروهم ضرورة لا اختيارا، فأثبت الله عز وجل الحق مع أحمد بن حنبل ومن كان على طريقته وأذل الله العظيم المعتزلة وفضحهم وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد ابن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة "(١) .
٣- حجية السنة في العقيدة ومن ذلك خبر الآحاد، وهذه من القواعد الكبرى في منهج السلف- رحمهم اللهـ تميزوا بها عن كثير من أهل الأهواء والبدع، وما عني أهل السنة بجمع السنة والكلام في متونها وأسانيدها، ونشأة هذا العلم الذى تميزت به الأمة الاسلامية عن غيرها من الأمم، وبذلوا في سبيل ذلك جهودا منقطعة النظير، كل ذلك إنما كان منهم حفاظا على المصدر الثاني الذى هو وحي يوحى من الله تعالى، ولم يميزوا بين الأحاديث المتعلقة بالأحكام والأحاديث المتعلقة بالعقائد.
وقد كان اعمادهم على السنة وتعظيمهم لها مبنيا على أمور منها:
أ) أن من مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله التى لا يتم الايمان إلا بها، ولذلك قرنت بشهادة أن لا إله إلا الله وجوب تصديقه فيما أخبر، سواء كان عن الله أو صفاته أو مخلوقاته أو ما يستقبل من أمور الآخرة وغيرها من المغيبات.
ب) أن أعرف العباد بما صلح لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أرغب الناس في نشرالخير وتعريف الخلق به، ولذلك فما من خير إلا ودل أمته عليه،