للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د - صلته بالفلسفة وعلوم الأوائل:

لم يكن الجويني فيلسوفاً، أو متبنياً لأفكار الفلاسفة، وإنما اطلع على كتبهم واستفاد منها في تأصيل المذهب الأشعري في بحوثه الكلامية ولذلك جاء تفكيره - كما عبر البعض - متسماً بنزعة فلسفية عميقة (١) ، وتأثر الجويني بِكتب الأوائل من الفلاسفة تمثل فيما يلي:

١- نقوله عنهم، يقول في مسألة إحاطة الإنسان بأحكام الإلهيات وحقائقها: " أقصى إفضاء العقل إلى أمور جميلة منها، والدليل القاطع في ذلك على رأي الإسلاميين: إن ما يتصف به حادث، وموسوم بحكم النهاية، يستحيل أن يدرك حقيقة ملا يتناهى، وعبر الأوائل عن ذلك بأن قالوا: تصرف الإنسان في المعقولات بفيض ما يحتمله من العقل عليه، ويستحيل أن يدرك الجزء الكل، ويحيط جزء طبيعي له حكم عقلي بما وراء عالم الطبائع، وهذه العبارات وإن كانت مستنكرة في الإسلام، فهي محومة على الحقائق" (٢) .

٢- مسألة علم الله بالجزئيات، التي أثارت جدلاً بالنسبة للجويني، وهل وافق الفلاسفة في قولهم: إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات، والحق أن عبارة الجويني موهمة وذلك حين يقول: " وبالجملة علم الله تعالى إذا تعلق بجواهر لا تتناهى فمعنى تعلقه بها استرساله عليها من غير فرض تفصيل الآحاد" (٣) ، وقد شنع عليه من العلماء الإمام المازري (٤) ، وقال: " إنما سهل عليه ركوب هذا المذهب إدمانه النظر في مذهب أولئك " (٥) ، والجويني الذي قال العبارة الموهمة السابقة هو الذي يقول في نفس الكتاب " إن الرب تعالى كان


(١) انظر: مقدمة تحقيق الشامل (ص: ٧٦) .
(٢) البرهان (١/١٤٢) .
(٣) البرهان (١/١٤٥-١٤٦) .
(٤) كما هجره صديقه القشيري لأجلها بقول الذهبي: " هذه هفوة اعتزال، هجر أبو المعالي عليها، وحلف أبو القاسم القشيري لا يكلمه، ونفي بسببها، فجاور وتعبد، وتاب ولله الحمد منها" (السير ١٨/٤٧٢) .
(٥) طبقات السبكي (٥/٢٠١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>