للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها (١) ، فلما ألف معيار العلم - وهو متأخر عن مقاصد الفلاسفة والتهافت - ذكر دليل المجريات - كجزء من الأدلة اليقينية الصادقة (٢) - قال: " فإن قال قائل: كيف تعتقدون هذا يقيناً، والمتكلمون شكوا فيه وقالوا: ليس الجز سبباً للموت، ولا الأكل سبباً للشبع، ولا النار علة للإحراق، ولكن الله تعالى يخلق الاحتارق والموت والشبع عند جريان هذه الأمور؟ قلنا: قد نبهنا على غور هذا الفصل وحقيقته في كتاب " تهافت الفلاسفة " والقدر المحتاج إليه الآن، إن المتكلم إذا أخبره بأن ولده جزت رقبته لم يشك في موته وليس في العقلاء من يشك فيه، وهو معترف بحصول الموت، وباحث عن وجه الاقتران، وأما النظر في أنه هل لزوم ضروري، ليس في الإمكان تغييره؟ أو هو يحكم جريان سنة الله تعالى لنفوذ مشيئته الأزلية التي لا تحتمل التبديل والتغيير، فهو نظر في وجه الاقتران، لا في نفس الاقتران، فليفهم هذا، وليعلم أن التشكك في موت من جزت رقبته وسواس مجرد، وأن اعتقاد موته يقين لا يستراب فيه " (٣) ،وفي التهافت قال في جواب اعتراض " ولم ندع أن هذه الأمور واجبة، بل هي ممكنة، يجوز أن تقع، ويجوز أن لا تقع، واستمرار العادة بها، مرة بعد أخرى، يرسخ في أذهاننا جريانها على وفق العادة الماضية ترسيخاً لا تنفك منه " (٤) ،

وهذا النصوص تدل على أن فهم الغزالي للسببية ليس كما يتصوره بعض من ينتصر للفلسفة اليونانية (٥) ، وليس أيضاً كما فهمه بعض أتباع الأشاعرة الذين أخذوا يشككون في حقائق الأشياء حتى إن بعضهم يقول: هذا ثوب إن شاء الله، ومع ذلك فالغزالي وإن استدرك على نفسه ما يبعد عنها تهمة إنكار السببية (٦) ، إلا أن تأصيل هذه النظرية وشرحها كان له -


(١) انظر: تهافت الفلاسفة (ص: ٢٣٥) ، وما بعدها.
(٢) انظر: معيار العلم (ص: ١٨٦) ، - ت سليمان دنيا -.
(٣) معيار العلم (ص: ١٩٠-١٩١) .
(٤) تهافت الفلاسفة (ص: ٢٤٥) ..
(٥) كابن رشد انظر: تهافت التهافت (ص: ٧٧٧-٧٨٨) ، وانظر: مفهوم السببية عند الغزالي للمرزوقي (ص: ٥١-٦٧) ، وانظر: ابن رشد والغزالي، التهافتان ليو حنا قنبر (ص: ٣١) .
(٦) انظر: المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت (ص: ١٨١-١٨٨) ، وتاريخ الفلسفة في الإسلام دي بور (ص: ٣٣٨-٣٣٩) ، تعليقات المترجم - ط الخامسة-.

<<  <  ج: ص:  >  >>