للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه " (١) ولذلك سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: " من نوقش الحساب عذب " عن الآية: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:٧،٨] ، فأجابها: " إنما ذلك العرض ... " (٢) ، كذلك سأل الصحابة عن رؤية الله فمثل لهم برؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب (٣) ، وكذلك قدرة الله على البعث ضرب لها مثالا بالنبات (٤) .

ومن هذه الميزات تتضح بجلاء مكانة الصحابة وعلمهم وفهمهم- رضي الله عنهم أجمعين- كما يتبين فضلهم- في هذه الأمور وغيرها- على من جاء بعدهم، وأن أي تجهيل لهم بأسلوب صريح أو غير صريح يعتبر ضلالا وانحرافا، لا يتوقف عند حد اتهام الصحابة أنفسهم بل يتعداه إلى ما بلغوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمور الدين كلها. وإن العجب ليأخذ الإنسان وهو يقرأ مثل هذا الكلام لأحد الكتاب وهو يعرض لمذهب السلف ومدرستهم، يقول: " ولعلنا نلمح- من خلال هذا العرض- الفرق الواضح بين الايمان والمعرفة، فالأول محله القلب، والثانية محلها العقل. ومن ثم نستطع أن نقرر أن المتديني ن في الصدر الأول قد فقهوا النص الديني- وخاصة ما يتعلق بأمور العقيدة- بقلوبهم، قبل إدراكه بمقاييس العقل، كالذي عرف فيما بعد لدى بعض فرق المتكلمين، وتخريجهم نصوص العقيدة على مقتضى ما وضعوه من مقامات عقلية "


(١) رواه البخارى عن ابن أبي مليكة في العلم، رقم (١٠٣) ، واسمه: عبد الله بن عبيد الله ابن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد بن جدعان ثقة، فقيه، روى عن مجموعة من الصحابة- منهم عائشة - روى له الجماعة. انظر: التهذيب (٥/٣٠٦) ، والتقريب (١/٤٣١) .
(٢) متفق عليه: رواه البخارى عن ابن أبي مليكة عن عائشة، كما رواه عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة، وأرقامه (٣ ٠ ١، ٤٩٣٩،٦٥٣٦،٦٥٣٧) ، ومسلم في الجنة، ورقمة (٢٨٧٦) .
(٣) رواه أحمد - عن أبي رزين العقيلى ابن المنتفق - المسند (٤/١١) ، ورواه أبو داود في السنة، رقمه (٤٧٣١) ، وابن ماجه في المقدمة، رقمه (١٨٠) ، وابن أبي عاصم في السنة، رقمه (٤٥٩- ٤٦٠) ، وحسنه الألباني.
(٤) رواه أحمد عن أبي رزين العقيلى، واسمه لقيط بن عامر بن المنتفق، وهو الذي سأله. المسند (٤/١١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>