للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدا أن يدعي إجماع الأمة إلا فيما أجمع عليه سلفها من الصحابة والتابعين، وأما بعد ذلك فقد انتشرت انتشارا لا تضبط جميعها" (١) ،

ثم ذكر تلقي العلماء لجمهور أحاديث الصحيحين بالقبول ثم قال: " فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم، مفيد لليقين، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين، فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها دون المتكلمين والنجاة والأطباء، كذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء أهل الحديث العالمون بأحوال نبيهم الضابطون لأقواله وأفعاله، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين بأقوال متبوعيهم، فكما أن العلم بالتواتر يتقسم إلى عام وخاص، فيتواتر عند الخاصة ما لايكون معلوما لغيرهم، فضلا أن يتواتر عندهم، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم، وضبطهم لأقواله وأفعالع وأحواله، يعلمون نت ذلك علما لا يشكون فيه، مما لا شعور لغيرهم به البتة، فخبر أبي بكر وعمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وابن مسعود ونحوهم يفيد العلم الجازم الذي يلتحق عندهم بقسم الضروريات. وعند الجهمية والمعتزلة وغيرهم من أهل الكلام لا يفيد علما، وكذلك يعلمون بالضرورة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وعند الجهمية: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن خروج قوم من النار بالشفاعة وعند المعتزلة والخوارج لم يقل ذلك، وبالجملة فهم جازمون بأكثر الأحاديث الصحيحة، قاطعون بصحتها عنه، وغيرهم لا علم عنده بذلك" (٢) .

فشيخ الإسلام من خلال هذا النص يناقش أهل الكلام ببيان المنهج الصحيح في طريقة طرح الموضوع، لأن هؤلاء المتكلمين يعاملون أنفسهم وكأنهم مثل- بل أفضل- من علماء الحديث الذين هيأهم الله تعالى لحفظ دينه وتبليغ شريعة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، فأفنوا أعمارهم في دراسة السنة وتمحيص أسانيدهم ومتونها،


(١) عن مختصر الصواعق (٢/٣٧٤-٣٧٥) ، مصورة الطبعة الأولى ١٣٤٨هـ..
(٢) المصدر السابق (٢/٣٧٥-٣٧٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>