أخص الطوائف بالسنة، وأعظمهم انتحالاً لها، كالمنتسبين [إلى الحديث مثل مالك والشافعي وأحمد، فإنه لا ريب أن هؤلاء أعظم..] اتباعاً للسنة، وذماً للبدعة من غيرهم، والأئمة كمالك وأحمد وابن المبارك وحماد بن زيد والأوزاعي، وغيرهم، يذكرون من ذم المبتدعة وهجرانهم وعقوبتهم ما شاء الله تعالى، وهذه الأقوال سمعها طوائف ممن اتبعهم وقلدهم، ثم إنهم [يخلطون] في مواضع كثيرة السنة بالبدعة، حتى قد يبدلون الأمر، فيجعلون البدعة التي ذمها أولئك في السنة، والسنة التي حمده أولئك هي البدعة، ويحكمون بموجب ذلك، حتى يقعوا في البدع والمعاداة لطريق أئمتهم السنية، وفي الحب والموالاة لطريق المبتدعة، التي أمر أئمتهم بعقوبتهم، ويلزمهم تكفير أئمتهم ولعنهم والبراءة منهم.." (١) ، ثم قال شيخ الإسلام ممثلاً لذلك: " واعتبر ذلك بأمور:
أحدهما: أن كلام مالك في ذم المبتدعة وهجرهم كثير، ومن أعظمهم عندهم الجهمية، الذين يقولون: إن الله ليس فوق العرش، وأن الله لم يتكلم بالقرآن كله، وإنه لا يرى، كما وردت به السنة، وينفون نحو ذلك من الصفات. ثم إنه كثير في المتأخرين من أصحابه من ينكر هذه الأمور، كما ينكرها فروع الجهمية، ويجعل ذلك هو السنة، ويجعل القول الذي يخالفها - وهو قول مالك وسائر أئمة السنة - هو البدعة، ثم إنه مع ذلك يعتقد في أهل البدعة ما قاله مالك، فبدل هؤلاء الدين، فصاروا يطعنون في أهل السنة".
" الثاني: أن الشافعي من أعظم الناس ذماً لأهل الكلام ولأهل التغيير، ونهياً عن ذلك، وجعلاً له من البدعة الخارجة عن السنة، ثمن إن كثيراً من أصحابه عكسوا الأمر حتى جعلوا الكلام الذي ذمه الشافعي هو السنة وأصول الدين الذي يجب اعتقاده وموالاة أهله، وجعلوا موجب الكتاب والسنة الذي مدحه الشافعي هو البدعة التي يعاقب أهلها".
" الثالث: أن الإمام أحمد في أمره باتباع السنة ومعرفته بها ولزومه لها، ونهيه عن البدع، وذمه لها ولأهلها، وعقوبته لأهلها بالحال التي لا تخفى.