للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن كثيراً مما نص على أنه من البدع التي يذم أهلها صار بعض اتباعه يعتقد أن ذلك من السنة، وأن الذي يذم من خالف ذلك، مثل كلامه في مسألة القرآن من مواضع: منها تبديعه من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، وتجهيمه لمن قال: مخلوق. ثم إن أصحابه من جعل ما بدعه الإمام أحمد هو السنة، فتراهم يحكمون على ماهو من صفات العبد - كألفاظهم وأصواتهم وغير ذلك بأنه غير مخلوق، بل يقولون: هو قديم، ثم إنهم يبدعون من لا يقول بذلك، ويحكمون في هؤلاء بما قاله أحمد في المبتدعة، وهو فيهم، وكذلك ما أثبته من الصفات التي جاءت بها الآثار واتفق عليها السلف، كالصفات الفعلية من الاستواء والنزول والمجيء والتكلم إذا شاء، وغير ذلك، فينكرون ذلك بزعم أن الحوادث لا تحل به، ويجعلون ذلك بدعة، ويحكمون على أصحابه بما حكم به أحمد في أهل البدع، وهمن من أهل البدعة الذين ذمهم أحمد، لا أولئك. ونظائر هذا كثيرة، بل قد يحكي عن واحد (١) ، من أئمتهم إجماع المسلمين على أن الحوادث لا تحل بذاته، لينفي بذلك ما نص أحمد وسائر الأئمة عليه من أنه يتكلم إذا شاء، ومن هذه الأفعال المتعلقة بمشيئته، ومعلوم أن نقل الإجماع على خلاف نصوصه ونصوص الأئمة من أبلغ ما يكون، وهذا كنقل غير واحد من المصنفين في العلم إجماع المسلمين على خلاف نصوص الرسول، وهذه المواضع من ذلك أيضاً، فإن نصوص أحمد والأئمة مطابقة لنصوص الرسول - صلى الله عليه وسلم - (٢) .

ومعلوم أن بعض الحنابلة انحرفوا عن الإمام أحمد وأقواله، إما بميل إلى التشبيه بالاحتجاج بالأحاديث الضعيفة، أو ميل إلى الاعتزال والمذهب الأشعري، ومع ذلك فاتباع الإمام أحمد على العموم أكثر إثباتاً وإتباعاً للإمام أحمد من غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة.

د - ولكن الأشاعرة يجيبون عما هو ثابت من ذم الشافعي وغيره لأهل الكلام بأن ذمهم إنما هو منصب على بدع القدرية ونحوهم أو أن فائدة علم الكلام


(١) كذا ولعل صحة العبارة: عن غير واحد.
(٢) الاستقامة (١/١٤-١٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>