للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاختلاف، بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال، والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه، وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا يذكرونه، بل لا يعرفونه، ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام، ولهذا يوجد الحاذق المصنف الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك، إذ لم يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض، وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلى دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب، كما قال أبو المعالي وقت السياق: لقد خضت البحر الخضم..وكذلك أبو حامد.. والشهرستاني " (١) ، وشيخ الإسلام - مع نقده الشديد لهم - يعتذر لهم بأنهم لم يكن قصدهم مخالفة الحق وعدم ذكره، وإنما عدم معرفتهم به هي السبب ولذلك يقول: في موضع آخر من هذا الكتاب: " إن غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات ينقلون في أصول الملل والنحل من المقالات ما يطول وصفه، ونفس ما بعث الله به رسوله وما يقوله أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل الذي حكوا فيه أقوال الناس؛ لا ينقلونه، لا تعمداً منهم لتركه، بل لأنهم لم يعرفوه، بل ولا سمعوه، لقلة خبرتهم بنصوص الرسول وأصحابه والتابعين " (٢) .

وأهل الكلام إذا نصروا ما هو شائع من أصول أهل السنة والجماعة، - مثل القرآن كلام الله غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، وأن أهل القبلة لا يكفرون بالذنب ولا يخلدون في النار، والشفاعة، وعذاب القبر، والحوض، والخلفاء الأربعة، وغير ذلك - إذا نصروا مثل هذه العقائد لا يكونون منطلقين من منطلق أصول ومنهج السلف، يقول شيخ الإسلام عنهم: " وكثير من أهل الكلام في كثير مما ينصره لا يكون عارفاً بحقيقة دين الإسلام في ذلك، ولا ما جاءت به السنة، ولا ما كان عليه السلف، فينصر ما ظهر من قولهم بغير المآخذ التي كانت مآخذهم في الحقيقة، بل بمآخذ آخر قد تلقوها عن غيرهم من أهل البدع، فيقع في كلام هؤلاء من التناقض والاضطراب والخطأ ما ذم


(١) منهاج السنة (٣/٦٨) .
(٢) المصدر السابق (٣/٢٠٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>