للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- المعتزلة:

يقوم مذهب المعتزلة على الأصول الخمسة المعروفة، وقد تفرعت عنها الأقوال التي اشتهروا بها كنفي القدر، ونفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وإنكار الرؤية، وغيرها (١) ،

والأشعري وأصحابه خالفوا المعتزلة في كثير من أصولهم، وردوا عليهم ردوداً طويلة، وصات مخالفة المعتزلة عندهم من الأمور التي يوردونها ويركزون عليها في جميع كتبهم تقريباً.


(١) لابد من الانتباه إلى أن هناك تداخلاً بين مذهبي المعتزلة والجهمية نظراً لاتفاقهما في مسألة خلق القرآن وإنكار الصفات والرؤية، وكثير من السمعيات، واختلافهما في مسألة: القدر، والإيمان، ولتوضيح هذه المسألة يمكن الإشارة إلى ما يلي:
١- كانت بدعة القدرية من أوائل البدع ظهوراً، حيث ظهرت في عهد الصحابة وأول من قال بها معبد الجهني الذي قتله الحجاج سنة ٨٠هـ تقريباً، وكان قد نشأ في المدينة المنورة ثم انتقل إلى البصرة، وقد رد الصحابة كابن عمر وابن عباس على هؤلاء ثم جاء بعد الجعد غيلان الدمشقي الذي توفي بعد سنة ١٠٥هـ، وكان من قوله بالقدر على مذهب المرجئة (انظر: مقالات الأشعري ص: ١٣٦-١٣٧، سنة ١٠٥هـ، وهؤلاء القدرية هم شيوخ المعتزلة في باب القدر، وذلك أنه لما حدثت بدعتهم أوائل المئة الثانية وكانت تقوم على مسألة الإيمان والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد، ضموا إلى ذلك القول بالقدر لتناسبه مع التكليف وانفاذ الوعيد، ويلاحظ أن غيلان الدمشقي من شيوخ المعتزلة في القدر فقط أما الإيمان فهم على الضد منه.
٢- أول من قال بخلق القرآن وإنكار الصفات الجعد بن درهم، قتل نحو سنة ١١٨هـ، وتبعه على ذلك الجهم بن صفوان الذي قتل أيضاً سنة ١٢٨هـ، وعاش بسمرقند وترمذ، وقد ضم الجهم إلى قوله بذلك القول الجبر، والإرجاء الغالي، وقوله في هذين الأمرين على الضد من قول المعتزلة.=

=٣- نشأت المعتزلة على يد واصل بن عطاء - ت ١٣١هـ، وعمرو بن عبيد ت ١٤٤هـ، وكان ذلك زمن الحسن البصري الذي توفي سنة ١١٠هـ، ومعنى ذلك أن نشأتهم كان أوائل المئة الثانيةن وقد أورد البعض أن هناك نوع مراسلات بين واصل والجهم، ولم يلتقيا، وقد ذكر الإمام أحمد في الرد على الزنادقة (ص:٦٦-٦٧ ضمن عقائد السلف) أن ممن تبع الجهم في أقواله في نفي الصفات أصحاب عمرو بين عبيد بالبصرة، وقد كان واصل يقول أيضاً بالقدر، إضافة إلى مسألة المنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، ولكن مصطلح الأصول الخمسة لم يوجد إلا في عهد بشر بن المعتمر المعتزلي ت ٢١٠ تقريباً، (كما أشار إلى ذلك الملطي في التنبيه ص٣٨) .
٤- مما سبق يلاحظ كيف أن غيلان الدمشقي شيخ المعتزلة في القدر. أما في الإيمان فهو مرجئ موافق للجهم، وأن الجهم بن صفوان تأثر به المعتزلة في الصفات، حتى غلب عليهم اسم الجهمية، بينما هم مخالفون له في القدر والإيمان، ومما يوضح هذا أن بشراً المريس ت ٢١٨هـ، الذي رد عليه أئمة السنة، والذي تأثر بتأويلاته وتجهمه المعتزلة وبعض الأشاعرة كان في مسألة الإيمان على مذهب المرجئة (انظر: مقالات الأشعري ص: ١٤٠-١٤٩) ، ومثله أحمد بن أبي داؤد فإنه جمع في المحنة أنصاره الجهمية من المعتزلة وغيرهم.
٥- كانت محنة الإمام أحمد وأهل السنة مع جنس الجهمية -ومنهم المعتزلة، وليست مع المعتزلة فقط - ولذلك رد عليهم الإمام أحمد والدارمي وغيرهما وسموهم بالجهمية، لأن كل معتزلي فهو جهمي في الصفات، وليس كل جهمي معتزلياً (انظر: رسالة القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة - رسالة ماجستير (ص؟: ١٦٠-١٦٦) ط على الآلة الكاتبة.
(وانظر: فيما سبق أيضاً: المنية والأمل ص ١٢٢ وما بعدها، ت مشكور، ونشأة الفكر الفلسفي للنشار ١/٣١٤، وما بعدها، وعمرو بن عبيد وآراؤه الكلامية ص ٨٨ وما بعدها، وانظر أيضاً: الحسنة والسيئة لشيخ الإسلام ابن تيمية -مجموع الفتاوي ١٤/٣٤٧ وما بعدها) .

<<  <  ج: ص:  >  >>