وشيخ الإسلام مع تسليمه بهذا يقر في كتبه أن الأشاعرة تتلمذوا وتأثروا بالمعتزلةن وسلموا لهم بعض الأصول المخالفة لمذهب أهل السنة، وليس في هذا تناقض لأن الأصول التي سلموها غير الأصول التي ردوها، وقد أوضح شيخ الإسلام هذا الأمر فقال تعليقاً على قول خلف المعلم المالكي:" أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة، فرجع عن الفروع، وثبت على الأصول"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " قلت: ليس مراده بالأصول ما أظهروه من مخالفة السنة، فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة، كمسألة الرؤية، والقرآن، والصفات.
ولكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة، مثل هذا الأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، فإن هذا أصل من أصولهم، كما قد بينا كلام أبي الحسن البصري وغيره في ذلك، وأن الأصل الذي بنت عليه المعتزلة كلامها في أصول الدين، هو هذا الأصل الذي ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباعه المتأخرين كأتباع صاحب الإرشاد، فأعطوا الأصول - التي سلمها للمعتزلة- حقها في اللوازم، فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة، وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن الذي قالت المعتزلة: إنه مخلوق نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر وأنه واحد قديم، والمعتزلة تنكر تصور هذا بالكلية، وصارت