للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرجان وخوارزم (١) - قال: " دخل على فخر الدين الرازي ورجل آخر من المعتزلة كبير فيهم، فقالا: يا شيخ، بلغنا أنك تعلم علم اليقين، فقلت: نعم أنا أعلم علم اليقين، فقالا لي: كيف تعلم علم اليقين، ونحن نتناظر من وقت كذا إلى وقت كذا، وكلما أقام حجة أبطلتها، وكلما أقمت حجة أبطلها؟

فقلت: ما أدري ما تقولان، ولكن أنا أعلم علم اليقين، فقالا: بين لنا ما هذا اليقين فقلت: واردات ترد على النفوس تعجز النفوس عن ردها فجعلا يرددان هذا الكلام، ويقولان: واردات ترد على النفوس تعجز النفوس عن ردها، وتعجبا من هذا الكلام؛ لأنه رحمه الله بين أن ذلك من العلوم الضرورية التي تلزم القلب لزوما لا يمكنه مع ذلك دفعها، ثم قالا له: كيف الطريق إلى هذه الواردات؟ فقال لهما: بأن تسلكا طريقتنا التي نأمركم بها، فاعتذر الرازي بما له من الموانع، وأما المعتزلي فقال: أنا محتاج إلى هذه الواردات فإن الشبهات قد أحرقت قلبي، فأمره الشيخ بما يفعله من العبادة والذكر، وما يتبع ذلك، ففتح الله عليه بهذه الواردات- والمعتزلة ينفون العلو والصفات، ويسمون من أثبت ذلك مجسما حشويا- فلما فتح الله تعالى عليه بذلك قال: والله ما الحق إلا فيما عليه هؤلاء الحشوية والمجسمة، أو كما قال " (٢) . والرازي لم يسلك هذا الطريق لوجود الموانع لا لقناعته بأن هذا ليس طريقا للمعرفة.

ج-- وكذلد الآمدي صرح بأن المعرفة قد تحصل بطريق التصفية وأخبار الأنبياء أو بغير ذلك (٣) ، وقال جوابا لاعتراض على وجوب النظر: " قولهم:

لا نسلم توقف المعرفة على النظر، قلنا: إنما نقول بوجوب النظر في حق من لم يحصل له، فالنظر في حقه غير واجب " (٤) . وهذا تصريح منه بأن طرق المعرفة كثيرة فحصر أول واجب بالنظر المفضي إلى المعرفة غير صحيح.


(١) انظر: درء التعارض (٧/٤٣٢) .
(٢) درء التعارض (٧/٤٣١-٤٣٢) ، وانظر القصة أيضا في مجموع الفتاوى (٤/٤٣-٤٤) ،
ونقض التأسيس- المطبوع- (١/٢٦٤-٢٦٦) .
(٣) انظر درء التعارض (٧/٣٥٦) . وانظر ما سبق في هذه الرسالة (ص: ٧١٣) عند الحديث عن الآمدي.
(٤) درء التعارض (٧/٣٥٦-٣٥٧) ، وكلام الآمدي في أبكار الأفكار (٢٩-أ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>